وأما ثالثا:
فلأن الممنوع من القصر في سفره بالسبب المذكور يجب أن يكون ممنوعا من جميع الواجبات، بل ومن المستحبات والواجبات الغير المضيقة. وحينئذ فيحرم على غيره مخالطته بنحو البيع والشراء والمحاورات العرفية والحكايات وأمثالها، لما فيه من المعاونة على الإثم والعدوان. بل يحرم السلام عليه لما أنه يقتضي تشاغله بالرد، ويحرم أيضا الوقوف مع الجماعة في الصلوات على الوجه المنافي لكمال التشاغل.
ولم نسمع من أحد من العلماء الذين عاصرناهم، ولا عمن تقدم في الأعصر الماضية منع القوام من الجلوس في السوق، والتشاغل بالبيع والشراء، وغيرهما من الأمور المباحة، بل أكثر من يتولى ذلك هم القوام ورأينا يحثونهم على ملازمة المساجد لصلاة الجمعة، وفي الوقت سعة ويشتغلون بالمستحبات.
والحاصل أن السفر المذكور إن كان حراما فالأشياء المذكورة كلها كذلك بل أولى فما المقتضي لقصر الاستنباط والتدوين على هذا الفرد.
وأما رابعا:
فلأن هذا الحكم إنما يتحقق إذا كانت المعرفة للواجبات في السفر ممكنة، وأمكن العود أو الوصول إلى موضع يحصل فيه القيام بالواجب، فلا يكون إطلاق كون الجهل مانعا من القصر في السفر صحيحا.
وأما خامسا:
فلأن إطلاق النصوص بالقصر لكل مسافر موجودة كثيرة لا تكاد تحصر.
والعموم والاطلاق إنما يخصه ويقيده الدليل الشرعي ولا دليل شرعي يدل على ذلك خصوصا، واقرار النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام على القصر موجود، وقوله عليه السلام: " إنما هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته "