إلا أن أنظار الفقهاء والعلماء تزيد وتنقص، فقد تجد أفحل الفحول يتمسك بأضعف ما يتمسك به ضعفاء العقول، ليتضح أن الجميع في مقام النقص والحاجة، فكيف يمكن الركون إلى كلام أحد لمن يزعم أنه مستضئ بنور بصيرته من دون أن يعلم خلو ذلك من مرة.
على أن لنا أن نجعل لكلامه مخرجا، وهو أن الماء الذي في الإنائين المشتبه نجسهما بالطاهر هما (1 أغلظ من غيرهما في نظر الشارع، حيث أمر بإراقتهما، وبين أنهما باستحقاقهما للإراقة بمنزلة المراق، فإن ذلك يشعر بسد الباب في مباشرة شئ منهما.
أو لأن الماء لرقته أجزاؤه قابلة للتفرق والشيوع، فلو جوزنا للمكلف مباشرته لجاز دخوله في الصلاة وهو معه. وقد عرفت ثبوت المنع من ذلك. وهذا بخلاف الثوب الذي يلاقيه محل طاهر برطوبة طاهرة، فإن المشتبه بحاله ما لم تنفصل منه أجزاء أصلا ورأسا.
ولا يبعد أن يكون قوله رحمه الله آخرا في الجواب: لا فرق بين الطهارة أو شكها هنا بخلاف غيره، إشارة إلى ما قلناه. وإذا أمكن حمل كلام مثله على المعنى القديم، من غير احتياج إلى العدول عن الظاهر تعين المصير إليه، بل إذا احتمل كلامه أمرين سقط احتجاج من جعله حجة له، والله المرشد والهادي إلى صوب الصواب.