على القول السابق، لكن لا يلزم أن يجوز له فيها جميع التصرفات، لأن ملكه إياها كملكه للعين ملكا غير مستقر، بل هو ملك متزلزل قابل للزوال بفسخ البائع العقد بمقتضى الخيار الثابت له. فيجوز له من التصرفات ما لا ينافي الخيار المذكور كاستيفائها بنفسه وبوكيله، واستيفاء المستعير منه، ونحو ذلك، لأن شيئا من ذلك لا ينافي خيار البائع بحال من الأحوال. فأما نقلها إلى الغير بعقد الإجارة ونحوها فإنه لا يصح، كما لا يصح نقل العين، لتعلق حق البائع من حيث الخيار بكل منهما.
فإن قيل: إن عقد البيع إنما يجري على العين دون المنفعة، فلا تعلق له بها، والخيار إنما هو في المبيع دون غيره، فلا يكون في المنفعة خيار.
قلنا: عقد البيع وإن جرى على العين إلا أنه إنما يجري عليها من حيث المنفعة وباعتبارها، ولهذا كانت صحة بيع الأعيان دائرة على كونها منتفعا بها انتفاعا محللا وتفاوتت الأثمان والقيم بتفاوتها قلة وكثرة، فمن ثم وقع الاختلاف في صحة بيع بعض الأشياء المتردد في كونه منتفعا به وعدمه، فمن ذلك العبد الموصي لمنافعه دائما ولما كانت منفعة العتق باقية مع نفوذ الوصية المذكورة وهي من أكبر المنافع صححنا بيعه.
فظهر من هذا أن محط نظر المتبايعين في المبيع مع العين المنفعة، فهي داخلة في البيع على جهة التبعية، فكما يتعلق الخيار المشترط بالعين، كذا يتعلق بالمنفعة تبعا. فيجب أن يكون البائع في جميع الأوقات متمكنا من فسخ البيع، والرجوع إلى كل من العين والمنفعة على حسب الشرط.
ولو جوزنا الإجارة المذكورة وحكمنا بصحتها امتنع رجوعه إلى المنفعة، فيرجع إلى العين بدون المنفعة تلك المدة، وذلك خلاف مقتضي الخيار، على أن بديهية العقل قاضية ببطلان ذلك، فإن المشتري لو آجر العين مدة طويلة جدا