النسب، ولعمري ما فعل بك ذلك إلا اللجاج، فدعه عنك فقد أصبحت على بينة من أمرك ووضوح من حجتك، فإن أحببت جانبي ووثقت بي فإمرة بإمرة، وإن كرهت جانبي ولم تثق بقولي ففعل جميل لا علي ولا لي، والسلام.
فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس فلما رآه زياد قربه وأدناه ولطف به فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمله ويضحك. فلما فرغ من قراءته وضعه تحت قدمه.
ثم قال: حسبك يا مغيرة فإني أطلع على ما في ضميرك وقد قدمت من سفرة بعيدة فقم وأرح ركابك. قال: أجل فدع عنك اللجاج يرحمك الله وارجع إلى قومك وصل أخاك وانظر لنفسك ولا تقطع رحمك. قال زياد: إني رجل صاحب أناة ولي في أمري روية فلا تعجل علي ولا تبدأني بشئ حتى أبدأك، ثم جمع الناس بعد يومين أو ثلاثة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، وارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان وفكرت فيهم فوجدتهم كالأضاحي في كل عيد يذبحون، ولقد أفنى هذان اليومان يوم الجمل وصفين ما ينيف على مائة ألف كلهم يزعم أنه طالب حق وتابع إمام وعلى بصيرة من أمره، فإن كان الأمر هكذا فالقاتل والمقتول في الجنة، كلا ليس كذلك ولكن أشكل الأمر والتبس على القوم، وإني لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ فكيف لامرء بسلامة دينه...! وقد نظرت في أمر الناس فوجدت أحمد العاقبتين العافية، وسأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته ومغبته، فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله ثم نزل.
وكتب جواب الكتاب: أما بعد فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه، فالحمد لله الذي عرفك الحق وردك إلى الصلة، ولست ممن يجهل معروفا ولا يغفل حسبا، ولو أردت أن أجيبك بما أوجبته الحجة واحتمله الجواب لطال الكتاب وكثر الخطاب ولكنك إن كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح ونية حسنة وأردت بذلك برا فستزرع في قلبي مودة وقبولا، وإن كنت إنما أردت مكيدة ومكرا وفساد نية فإن النفس تأبى ما فيه العطب، ولقد قمت يوم قرأت