قال له: قد حدث هذا الذي بلغك وليس معي جند أمتنع به فرأيت أن أعتزل عن مكة، فإن يأتني جند أقاتل بهم وإلا كنت قد تنحيت بدمي، قال له: إني لم أخرج من المدينة حتى قدم علينا حاج أهل العراق وتجارهم يخبرون أن الناس بالكوفة قد ندبوا إليك مع معقل بن قيس الرياحي. قال: هيهات هيهات يا أبا سعيد، إلى ذلك ما يعيش أولادنا (1) فقال له أبو سعيد: رحمك الله فما عذرك عند ابن عمك؟ وما عذرك عند العرب إن انهزمت قبل أن تطعن وتضرب؟ - فقال: يا أبا سعيد (2) إنك لا تهزم عدوك ولا تمنع حريمك بالمواعيد والأماني، اقرأ كتاب صاحبي، فقرأه أبو سعيد فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى قثم بن العباس، سلام عليك، أما بعد فإن عيني بالمغرب كتب إلي يخبرني أنه قد وجه إلى الموسم (3) ناس من العرب من العمي القلوب الصم الأسماع البكم الأبصار الذين يلبسون الحق بالباطل، ويطيعون المخلوقين في معصية الخالق، ويجلبون الدنيا بالدين، ويتمنون على الله جواز الأبرار، وأنه لا يفوز بالخير إلا عامله، ولا يجزى بالسيئ إلا فاعله، وقد وجهت إليكم جمعا من المسلمين ذوي بسالة ونجدة مع الحسيب الصليب الورع التقي معقل بن قيس الرياحي وقد أمرته باتباعهم وقص آثارهم حتى ينفيهم من أرض الحجاز فقم على ما في يديك مما إليك مقام الصليب الحازم المانع سلطانه الناصح للأمة، ولا يبلغني عنك وهن ولا خور وما تعتذر منه، ووطن نفسك على الصبر في البأساء والضراء، ولا تكونن فشلا ولا طائشا ولا رعديدا (4) والسلام.
فلما قرأ أبو سعيد الكتاب قال قثم: ما ينفعني من هذا الكتاب وقد سمعت بأن قد سبقت خيلهم خيله وهل يأتي جيشه حتى ينقضي أمر الموسم كله؟! فقال له أبو سعيد:
إنك إن أجهدت نفسك في مناصحة إمامك فرأى ذلك لك وعرف ذلك الناس، فخرجت