الغارات - إبراهيم بن محمد الثقفي - ج ٢ - الصفحة ٦٤٠
قتل بسر في وجهه ذاهبا وراجعا ثلاثين ألفا، وحرق قوما بالنار وقال الشاعر وهو ابن مفرغ (1):
إلى حيث سار المرء بسر بجيشه * فقتل بسر ما استطاع وحرقا قال: ولما قدم جارية بن قدامة الجرش بلغه بها قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وسلامه - فقدم مكة فقال: بايعتم معاوية؟ قالوا: أكرهنا، قال جارية:
أخاف أن تكونوا من الذين قال الله فيهم: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، الآية ثم خرج حتى أتى المدينة فقال: * أني لا أعلم أن فيكم أمير المؤمنين ولو أعرفه لبدأت به (2) * فبايعوا الحسن بن علي عليه السلام.
وقد كان علي عليه السلام دعا قبل موته على بسر بن أبي أرطاة - لعنه الله - فيما بلغنا فقال: اللهم إن بسرا باع دينه بدنياه (3) وانتهك محارمك وكانت مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك، اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله، فما لبث بعد وفاة علي عليه السلام إلا يسيرا حتى وسوس [وذهب عقله (4)].

1 - سيأتي البيت وترجمة ابن مفرغ بعيد ذلك إن شاء الله.
2 - ما بين الكوكبين في الأصل فقط وفيه بدل (أمير المؤمنين): (بأمير المؤمنين) بالباء في أوله.
3 - في شرح النهج والبحار: (بالدنيا).
4 - كذا في شرح النهج والبحار ولم يذكر في الأصل.
فليعلم أن مضامين أمثال هذا الحديث تدل على أن بسرا قد بقي بعد أمير المؤمنين عليه السلام، وكتب السير والقصص والتراجم والتواريخ كلها أيضا ناطقة بذلك إلا ما في كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي فإنه صرح فيه بما ينافيه ونص عبارته هكذا (ج 4، ص 69 - 70): (قال: فخرج جارية من العراق يريد مكة وبلغ ذلك بسر بن أبي أرطاة فخرج عن بلاد اليمن وصار إلى أرض اليمامة فأخذ عليهم بيعة معاوية وأشخص معه جماعة من أهل الشام يريد الشام وقد قتل بأرض اليمن وغيرها نيفا عن ثلاثين ألف من شيعة علي بن أبي طالب، وبلغ ذلك عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فخرج في طلبه في زهاء ألف رجل من نجبة فرسان اليمن فلحقه قبل أن يدخل الشام فواقعه فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وقتله فيمن قتل وأحرقه بالنار، وانهزم أصحابه هزيمة قبيحة حتى صاروا إلى معاوية فخبروه الخبر.
قال: وخرج جارية بن قدامة من العراق يقتل الخيل قتلا وهو يرجو أن يدرك بسر - بن [أبي] أرطاة حتى إذا صار في بعض الطريق بلغه ما قد نزل ببسر فحمد الله على ذلك).
وهذا قول عجيب ونقل غريب جدا ولم أره في غيره من الكتب، وينافيه أيضا ما يأتي في آخر الغارات من اجتماعه يوما مع عبيد الله بن العباس بعد صلح الحسن عليه السلام وما جرى بينهما من الكلام إلى غير ذلك مما يدل على ما ادعيناه ومن ثم قال بعض الفضلاء في هامش بعض النسخ من الفتوح معترضا على هذا المطلب: (اشتبه المؤلف في قوله: إن بسرا مات بهذه الوقعة وإنما ذلك وهم منه).
وذكر المسعودي في مروج الذهب أن حارثة بن قدامة قتل ابن أخي بسرو نص عبارته (ج 3، ص 31 من الطبعة المحققة بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد):
(وقد كان بسر بن أبي أرطاة العامري - عامر بن لؤي بن غالب - قتل بالمدينة وبين - المسجدين خلقا كثيرا من خزاعة وغيره، وكذلك بالجرف قتل بها خلقا كثيرا من رجال همدان وقتل بصنعاء خلقا [كثيرا] من الأبناء، ولم يبلغه أحد أنه يمالئ عليا أو يهواه إلا قتله، ونما إليه خبر حارثة بن قدامة السعدي فهرب وظفر حارثة بابن أخي بسر مع أربعين من أهل بيته فقتلهم).
ثم لا يخفى أن أجمع كتاب لقصة غارة بسر بن أبي أرطاة كتاب الغارات هذا، وذلك أن القصة ذكرها اليعقوبي في تاريخه (ص 173 - 175 من الجزء الثاني من طبعة النجف 1358) والمسعودي في مروج الذهب (ج 3، ص 30 - 31 من الطبعة المحققة بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد) وابن عساكر في تاريخه (ج 3، ص 222 - 224) وأما الطبري وابن الأثير فأشرنا إلى موضع نقلهما القصة فيما سبق وكذا أشرنا إلى موضع نقل ابن أعثم إياها في الفتوح إلى غير ذلك من أرباب السير والتواريخ ولكن لم يذكرها أحد منهم مبسوطة ومفصلة كما ذكرها الثقفي فهي في هذا الكتاب أكثر بسطا وأوفر تفصيلا.
(٦٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 635 636 637 638 639 640 641 642 643 644 645 ... » »»
الفهرست