مسعدة الفزاري (1) يحدث في خلافة عبد الملك بن مروان قال: لما دخلت سنة أربعين تحدث الناس بالشام أن عليا عليه السلام يستنفر الناس بالعراق فلا ينفرون معه، وتذاكروا أن قد اختلفت أهواؤهم ووقعت الفرقة بينهم. قال: فقمت في نفر من أهل الشام إلى الوليد بن عقبة فقلنا له: إن الناس لا يشكون في اختلاف الناس على علي بالعراق، فادخل إلى صاحبك فمره فليس بنا إليهم قبل أن يجتمعوا بعد تفرقهم أو يصلح لصاحبهم منهم ما قد فسد عليه من أمرهم. قال: فقال: بلى لقد قاولته على ذلك وراجعته وعاتبته حتى لقد برم بي واستثقل طلعتي، وأيم الله على ذلك ما أدع أن أبلغه ما مشيتم به إلي.
فدخل عليه فخبره بمجيئنا إليه ومقالتنا له، فأذن لنا، فدخلنا عليه فقال:
ما هذا الخبر الذي جاءني به عنكم الوليد؟ فقلنا: هذا خبر في الناس سائر، فشمر للحرب، وناهض الأعداء، واهتبل الفرصة، واغتنم الغرة، فإنك لا تدري متى تقدر من عدوك على مثل حالهم التي هم عليها، وأن تسير إلى عدوك أعزلك من أن يسيروا إليك، واعلم والله أنه لولا تفرق الناس عن صاحبك لقد نهض إليك، فقال لنا:
ما أستغني عن رأيكم ومشورتكم ومتى أحتج إلى ذلك منكم أدعكم، إن هؤلاء الذين تذكرون تفرقهم على صاحبهم واختلاف أهوائهم لم يبلغ ذلك عندي بهم أن أكون أطمع في استئصالهم واجتياحهم إلى أن أسير إليهم مخاطرا بجندي لا أدري علي تكون الدائرة أم لي؟ فإياكم واستبطائي فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم وأبلغ في هلاكهم قد شننت عليهم الغارات في كل جانب، فخيلي مرة بالجزيرة ومرة بالحجاز وقد فتح الله فيما بين ذلك مصر، فأعز بفتحها ولينا وأذل به عدونا، فأشراف أهل العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا يأتوننا على قلائصهم (2) في كل يوم، وهذا مما يزيدكم الله به وينقصهم، ويقويكم ويضعفهم، ويعزكم ويذلهم، فاصبروا ولا تعجلوا، فإني لو رأيت فرصتي لاهتبلتها.