واضح من هذه الممارسة، أن المؤلف قد بذل أقصى الجهد في التدليل علي مفروغية القراءة بالجر، حيث عرض مختلف الوجوه التي تسوغ القراءة بالجر، وعرض مختلف الوجوه التي تسوغ العكس، رادا عليها جميعا من خلال الاستشهاد باللغويين والنصوص، بالنحو الذي عرضنا له، مما تكشف مثل هذه الممارسة عن سعتها ودقتها واستيعابها لكل الجوانب، وهو ما يتطلبه الكشف العلمي الجاد في صعيد التفسير اللغوي للنص من الزاوية النحوية.
والأمر نفسه بالنسبة إلى التفسير " المعجمي ". ففي تفسيره لدلالة " الصعيد " الذي يتيمم به، أورد المؤلف مجموعة من أقوال اللغويين وغيرهم ممن فسر " الصعيد " بأنه " التراب " أو التراب الخالص " أو " غبار الأرض المستوية ". إلخ، مضافا إلى اعتماده " الحسن أو الذوق الفني الخاص " في رده على الاتجاه الذاهب إلى إمكانية شمول " الصعيد " لما كان من جنس الأرض أو مشابهه، مثل الرماد والجص وغيرهما، معلقا على نفي ذلك بأكثر من وجه ومنه قوله:
(الطهارة اختصت بأعم المائعات وجودا، وهو: الماء، فتخص بأعم الجامدات وجودا، وهو: التراب).
وبالرغم من أن هذا التعليل لا يكشف ضرورة عن الأسرار الكامنة وراء التيمم بالتراب، إلا أنه ينم عن تذوق خاص لدلالة العبارة في أحد جوانبها بخاصة أنه أورد ذلك في سياق الرد على من ذهب إلى أن " النعومة " وغيرها هي المسوغ في مشاركة " الرماد " وغيره لدلالة " الأرض "، حيث إنه نفى هذا المعيار وحصره في الأرض، وفسر ذلك في ضوء تذوقه الخاص الذي أشرنا إليه.
ومهما يكن، يعنيا أن نشير إلى أن المؤلف يمنح الممارسة المرتبطة بتفسير النص لغو يا " نحويا أو معجميا " كل متطلبات الموقف، ما دام التعرف على دلالته اللغوية يشكل الخطوة التمهيدية للتعامل مع النص، بصفة أن استخلاص دلالته شرعيا يتوقف على فهمه لغويا أولا، كما هو واضح.
هذا إلى أنه - في حالة تعارض النصوص اللغوية - يرتكن إلى وجهة نظر المشرع الإسلامي في