قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر وأفطر الناس متفق عليه، ولأنه مسافر فأبيح له الفطر كما لو سافر قبل الشهر، والآية تناولت الامر بالصوم لمن شهد الشهر كله وهذا لم يشهده كله (1) (الثالث) أن يسافر في أثناء يوم من رمضان فحكمه في اليوم الثاني كمن سافر ليلا، وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه عن أحمد روايتان (إحداهما) له أن يفطر وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر لما روى عبيد بن جبير قال: ركبت مع أبي بصرة الغفاري سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداءه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ثم قال اقترب فقلت ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأكل. رواه أبو داود، ولان السفر معنى لو وجد ليلا واستمر في النهار لأباح الفطر فإذا وجد في أثنائه اباحه كالمرض، ولأنه أحد الامرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما فاباحه في أثناء النهار كالآخر (والرواية الثانية) لا يباح له الفطر ذلك اليوم وهو قول مكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة والأول أصح للخبر، ولان الصوم يفارق الصلاة فإن الصلاة يلزم اتمامها بنيته بخلاف الصوم إذا ثبت هذا فإنه لا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها وقال الحسن يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج، وروي نحوه عن عطاء قال ابن عبد البر قول الحسن قول شاذ، وليس الفطر لاحد في الحضر في نظر ولا أثر، وقد روي عن الحسن خلافه وقد روى محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة؟ فقال سنة ثم ركب. قال الترمذي هذا حديث حسن ولنا قول الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا شاهد لا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين ولذلك لا يقصر الصلاة، فأما أنس فيحتمل أنه قد كان برز من البلد خارجا منه فأتاه محمد بن كعب في منزله ذلك (فصل) وإن نوى المسافر الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر فله ذلك، واختلف قول الشافعي فيه فقال مرة لا يجوز له الفطر، وقال مرة أخرى إن صح حديث الكديد لم أر به بأسا أن يفطر، وقال مالك: إن أفطر فعليه القضاء والكفارة لأنه أفطر في صوم رمضان فلزمه ذلك كما لو كان حاضرا ولنا حديث ابن عباس وهو حديث صحيح متفق عليه، وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه، فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن
(٣٤)