لم يكرهه فيها بل استحب فعله فيها لئلا يخلو من العبادة بالكلية ويقوى عندي أن هاتين الروايتين فرع على إباحة التطوع قبل الفرض أما على رواية التحريم فيكون صومها تطوعا قبل الفرض محرما (1) وذلك أبلغ من الكراهة والله أعلم (مسألة) قال (وللمريض أن يفطر إذا كان الصوم يزيد في مرضه فإن تحمل وصام كره له ذلك وأجزأه) أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة والأصل فيه قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) المرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه قيل لأحمد متى يفطر المريض؟ قال إذا لم يستطع، قيل مثل الحمى؟ قال وأي مرض أشد من الحمى؟.
وحكي عن بعض السلف أنه أباح الفطر بكل مرض حتى من وجع الإصبع والضرس لعموم الآية فيه ولان المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه فكذلك المريض ولنا انه شاهد للشهر لا يؤذيه الصوم فلزمه كالصحيح والآية مخصوصة في المسافر والمريض جميعا بدليل أن المسافر لا يباح له الفطر في السفر القصير (2) والفرق بين المسافر والمريض ان السفر اعتبرت فيه المظنة وهو السفر الطويل حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها فإن قليل المشقة لا يبيح وكثيرها لا ضابط له في نفسه فاعتبرت بمظنتها وهو السفر الطويل فدار الحكم مع المظنة وجودا وعدما والمرض لا ضابط له فإن الأمراض تختلف منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها مالا أثر للصوم فيه كوجع الضرس وجرح في الإصبع والدمل والقرحة اليسيرة والحرب وأشباه (3) ذلك فلم يصلح المرض ضابطا وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره فإذا ثبت هذا فإن تحمل المريض وصام مع هذا فقد فعل مكروها لما يتضمنه من الاضرار بنفسه وتركه تخفيف الله تعالى وقبول رخصته ويصح صومه ويجزئه لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة فإذا تحمله أجزأه كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها والذي يباح له ترك القيام في الصلاة إذا قام فيها (فصل) والصحيح أن الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادته في إباحة الفطر لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفا مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله فالخوف من تجدد المرض في معناه قال أحمد فيمن به شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشق أنثياه فله الفطر وقال في الجارية تصوم إذا حاضت فإن جهدها الصوم فلتفطر ولتقض يعني إذا حاضت وهي صغيرة لم تبلغ خمس عشرة سنة قال القاضي هذا إذا كانت تخاف المرض بالصيام أبيح لها الفطر وإلا فلا