ولنا أن اطلاق اليوم يفهم منه التتابع فيلزمه كما لو قال متتابعا وفارق الشهر لأنه اسم لما بين الهلالين واسم لثلاثين يوما واسم لغير ذلك واليوم لا يقع في الظاهر الاعلى ما ذكرنا وان قال في وسط النهار لله علي أن أعتكف يوما من وقتي هذا لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله ويدخل فيه الليل لأنه في خلال نذره فصار كما لو نذر يومين متتابعين وإنما لزمه بعض يومين لتعيينه ذلك بنذره فعلمنا أنه أراد ذلك ولم يرد يوما صحيحا (فصل) وان نذر اعتكافا مطلقا لزمه ما يسمى به معتكفا ولو ساعة من ليل أو نهار (1) الاعلى قولنا بوجوب الصوم في الاعتكاف فيلزمه يوم كامل. فاما اللحظة ومالا يسمى به معتكفا فلا يجزئه على الروايتين جميعا (فصل) ولا يتعين شئ من المساجد بنذره الاعتكاف فيه إلا المساجد الثلاثة وهي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا " متفق عليه، ولو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي إليه واحتاج إلى شد الرحال لقضاء نذره فيه ولان الله تعالى لم يعين لعبادته مكانا فلم يتعين بتعيين غيره وإنما تعينت هذه المساجد الثلاثة للخبر الوارد فيها ولان العبادة فيها أفضل. فإذا عين ما فيه فضيلة لزمته كأنواع العبادة وبهذا قال الشافعي في صحيح قوليه وقال في الآخر: لا يتعين المسجد الأقصى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام " رواه مسلم وهذا يدل على التسوية فيما عدا هذين المسجدين لأن المسجد الأقصى لو فضلت الصلاة فيه على غيره للزم أحد أمرين اما خروجه من عموم هذا الحديث واما كون فضيلته بألف مختصا بالمسجد الأقصى ولنا أنه من المساجد التي تشد الرحال إليها فتعين بالتعيين في النذر كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكروه لا يلزم فإنه إذا فضل الفاضل بألف فقد فضل المفضول بها أيضا (فصل) وان نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يكن له الاعتكاف فيما سواه لأنه أفضلها ولان عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال " أوف بنذرك " متفق عليه وان نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام لأنه أفضل منه ولم يجز أن يعتكف في المسجد الأقصى لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه وقال قوم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المسجد الحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دفن في خير البقاع وقد نقله الله تعالى من مكة إلى المدينة فدل على أنها أفضل ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد
(١٥٧)