فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام وبين الأب والجد. لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة، وبين كون كل واحد منهم نائبا، وربما يتوهم كونهم حينئذ كالوكلاء المتعددين في أن بناء واحد منهم على أمر مأذون فيه. لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بنى عليه الأول، ويندفع بأن الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من أحدهم كان الآخر مأذونا في تصرف مغاير وإن بنى عليه الأول ودخل فيه. أما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد، بحيث يكون إلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله، و فرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكل والتعدي عما بنى هو عليه مباشرة، أو استنابة، كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة و لا نقيصة، والوهم إنما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة بنفس ذي المقدمة، فتأمل.
هذا كله مضافا إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكام، سيما في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعي الحكومة، و كيف كان، فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كل إلزام قولي أو فعلي يجب الرجوع فيه إلى الحاكم، فإذا قبض مال اليتيم من شخص، أو عين شخصا لقبضه، أو جعله ناظرا عليه، فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره، لأن نظره كنظر الإمام. وأما جواز تصدي مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم، فيها إذا لم يعرض عنها بل بنى على الحكم فيها فلأن وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا، ذكر الشهيد في قواعده أن فيه وجهين: ولكن ظاهر كثير من كلماتهم أنه لا يصح إلا مع المصلحة، بل في مفتاح الكرامة: إنه اجماعي وأن الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين.
وعن شيخه في شرح القواعد: إنه ظاهر الأصحاب، وقد عرفت تصريح الشيخ والحلي بذلك حتى في الأب والجد، ويدل عليه بعد ما عرفت من أصالة عدم الولاية لأحد على أحد عموم قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.