" ومعنى كلام أحمد: أنه بين الغني والفقير، يعني الغني الذي فيه مصلحة المسلمين من المجاهدين والقضاة والفقهاء... وسياق كلامه يدل على أنه ليس مختصا بالجند إنما هو مصروف في مصالح المسلمين لكن يبدأ بجند المسلمين لأنهم أهم المصالح لكونهم يحفظون المسلمين فيعطون كفاياتهم، فما فضل قدم الأهم فالأهم من عمارة الثغور وكفايتها فالأسلحة والكراع وما يحتاج إليه، ثم الأهم فالأهم من عمارة المساجد والقناطر وإصلاح الطرق وكراء الأنهار وسد بثوقها، وأرزاق القضاة والأئمة والمؤذنين والفقهاء ونحو ذلك مما للمسلمين فيه نفع. " (1) أقول: وقد تحصل مما ذكرناه من الكلمات أن في مصرف الجزية قولين: أحدهما أنها بحكم الغنيمة فتختص بالمقاتلين. والثاني أنها من أنواع الفيء، ومصرف الفيء مصالح المسلمين بشعبها المختلفة ومنها مصارف المقاتلين. ولعل عمدة نظر الفريق الأول إلى أن الجزية كأنها نتيجة الحرب وفداء عن النفوس التي وقعت في معرض القتل أو الأسر، والأسارى يعدون من جملة الغنائم كما مر. هذا.
والأصل في المسألة عندنا:
1 - صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين. " وقال: " إن أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية، وإنما الجزية عطاء المهاجرين. الصدقات لأهلها الذين سمى الله في كتابه ليس لهم في الجزية شيء. " ثم قال: " ما أوسع العدل، إن الناس يتسعون (يستغنون - الفقيه) إذا عدل فيهم وتنزل السماء رزقها وتخرج الأرض بركتها بإذن الله - تعالى -. " رواها الفقيه (2)، والتهذيب (3). ولكن في الفقيه: " عطاء المجاهدين ".