وصدقات أهل الحضر في أهل الحضر كما نطقت بذلك الأخبار. (1) فلم يكن يبقى منها غالبا ما يصرف في المهاجرين المجاهدين في سبيل الله، فخص بهم الخراج والجزية ونحوهما مما كان يؤخذ من الكفار، ومع وجودهم عند الإمام واحتياجهم يقدمون بحسب المصلحة على أكثر المصالح العامة قطعا فلا تصرف الجزية قهرا في فقراء المحل بما هم فقراء فقط، إذ على الإمام أن يراعي فيها ما هو الأهم من المصالح العامة. وبالجملة، فالتباين بين المصرفين كان في مقام العمل والابتلاء خارجا بملاحظة الأعم الأغلب، فتدبر.
ثم لو سلم كون الجزية الغنيمة بحسب المصرف لكونها مثلها في الأخذ من أهل الشرك بالقهر والغلبة كما مر في بعض الكلمات فنقول:
قد مر منا في مبحث الغنائم أنها أيضا تكون تحت اختيار الإمام، فله أن يصرفها فيما يراه صلاحا ولا يتعين فيها التقسيم بين المقاتلين: ففي مرسلة حماد الطويلة قال في شأن الغنيمة: " وله أن يسد بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم وغير ذلك مما ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله، قسم الباقي على من ولي ذلك، وإن لم يبق بعد سد النوائب شيء فلا شيء لهم.
الحديث. " (2) وبالجملة فالأقوى في مصرف الجزية بل مطلق الفيء هو صرفها فيما يراه الإمام من مصالح المسلمين، كما مر من المقنعة. نعم، مع وجود المهاجرين المجاهدين احتياجهم لا تصل النوبة غالبا إلى غيرهم فإن إدارة شؤونهم من أهم المصالح العامة، فتدبر.
ولعل الخلفاء في عصر الأئمة (عليهم السلام) كانوا يستبدون ويستأثرون بالفيء والجزايا فيصرفونها في حواشيهم والمحامين لهم باسم الاحتياج والفقر وكانت مصارف المجاهدين في الثغور مهملة، فكانت الروايات التي مرت ناظرة إليهم.