مقسومة على الغانمين على ما يأتي بيانه، وأن قوله: " يسألونك عن الأنفال " نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر على ما تقدم في أول السورة...
وقد قيل: إنها محكمة غير منسوخة وإن الغنيمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليست مقسومة بين الغانمين، وكذلك لمن بعده من الأئمة. كذا حكاه المازري عن كثير من أصحابنا، أن للإمام أن يخرجها عنهم. واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين. وكان أبو عبيد يقول: افتتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها عليهم فيئا. ورأى بعض الناس أن هذا جائز للأئمة بعده. قلت: وعلى هذا يكون معنى قوله - تعالى -: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه والأربعة الأخماس للإمام، إن شاء حسبها، وإن شاء قسمها بين الغانمين. وهذا ليس بشئ، لما ذكرناه، ولأن الله - سبحانه - أضاف الغنيمة للغانمين فقال: واعلموا أنما غنمتم من شيء... " (1) أقول: الظاهر أن القول بالنسخ كان اجتهادا من ابن عباس وسعيد بن جبير مجاهد وعكرمة ومن تبعهم لتوهم التهافت بين الآيتين، وقد عرفت عدم التهافت بينهما وأن محط النظر في آية الأنفال بيان حكم الأموال العامة بما هي أموال عامة وليس لها مالك شخصي يدبرها ويتصرف فيها، فتفيد أنها تكون تحت اختيار الرسول أو الإمام الذي هو ممثل المجتمع فهو المتصرف فيها على حسب ما تقتضيه المصالح وبينه الشرع المبين. وآية الخمس ناظرة إلى تشريع الخمس في جميع الغنائم الواصلة إلى الأشخاص ومنها غنائم الحرب بعد إخراج الجعائل والنوائب منها وإرادة تقسيمها بين المقاتلين، حيث إنها بلحاظ تقسيمها بينهم تصير غنيمة لهم وعائدة إليهم، فتأمل.
ويظهر من السياق ومن الأخبار الواردة نزول الآيتين في شأن غنائم بدر فيقرب زمان نزول إحديهما من الأخرى فيبعد جدا النسخ في مثله، اللهم إلا أن يراد