فلا محالة لا يبقى له موضوع بعد القتال والغنيمة.
وهذا بخلاف النوائب والمصالح العامة التي تنوب الإمام مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم ونحوه، فإنها تعرض كثيرا بعد الاغتنام كما فيما صنعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حنين، قد دلت النصوص والفتاوى التي مرت على جواز سد الإمام إياها من الغنيمة.
فإن قلت: قد ورد في كتب السير والحديث ما محصله:
" أن وفد هوازن أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجعرانة وقالوا: إنا أصل وعشيرة فامنن علينا من الله عليك، فقال لهم: اختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال، قالوا فإنا نختار سبينا، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسلمين وقال: إن إخوانكم قد جاؤوا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم إن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل. فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله، فقال: إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم، فكلمهم عرفاؤهم فأخبروا أنهم طيبوا وأذنوا. " فيقال: لو كان امر السبي والغنائم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم استأذن هو (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه في رد السبي؟
قلت: الظاهر أنه كان هذا بعد ما قسم النساء والذراري أو أكثرها وتملكها أصحابه، فاحتاج إلى الاستيذان قهرا، كما يشهد بذلك قوله على ما في المغازي:
" فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه أن يرده فليرسل، ومن أبى منكم وتمسك بحقه فليرد عليهم وليكن فرضا علينا ست فرائض من أول ما يفيء الله به علينا ".
فراجع المغازي للواقدي والبخاري وابن هشام وغيرها من الكتب. (1) ومن المحتمل أيضا أن يكون الاسترضاء عملا أخلاقيا عاطفيا منه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن لم يكن يجب، فتأمل.