اندملت يساره قطع يمينه. وإن سرت إلى نفسه كانت نفسه هدرا لأن القطع إذا لم يكن مضمونا كانت السراية غير مضمونة، وسقط القصاص عن يمينه بفواته، ويكون فواته إلى دية اليد يجب للمجني عليه في تركته، لأن القصاص سقط بغير اختيار المستقيد فكان سقوطه إلى مال.
وأما إن اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة، فقال: ما سمعت منه أخرج يمينك بل طرق سمعي أخرج يسارك، أو قال: سمعته يقول أخرج يمينك وكنت على إخراجها فدهشت فأخرجت يساري معتقدا أنها يميني، أو قال: سمعته وعلمت أنها يساري لكني ظننت أن قطعها يسقط القود عن يميني.
فمتى قطعها على هذا فهل استوفى حقه أم لا؟ لم يخل المقتص من أحد أمرين: إما أن يكون جاهلا بأنه قطع اليسار أو عالما بها.
فإن كان جاهلا بذلك فلا قود عليه بقطع يسار الجاني، لأنه قطعها معتقدا أنه يستوفي حقه بها، فكان شبهة في سقوط القود فيها، ولأنه قطعها ببذل مالكها فلا قود عليه، وقال قوم: لا دية عليه أيضا لأنه قطعها ببذل صاحبها كالتي قبلها والصحيح أن عليه ديتها، لأنه بذلها عن يمينه، فكان البذل على سبيل المعاوضة، فإذا لم يصح كان على القابض الرد، فإذا عدمت كان عليه رد بدلها، كما لو قبض المشتري سلعة عن بيع فاسد فعليه ردها، وإن كان مفقودا كان عليه رد بدلها.
فأما إن كان المقتص عالما بأنها يساره فقطعها فهذا القطع مضمون لأنه إنما بذلها بعوض، فلم يسلم له، فكان على القابض الضمان لما قدمناه، فإذا ثبت أنه مضمون فما ذلك الضمان؟
قال قوم: مضمون بالقود لأنه قطع يد غيره بغير حق مع العلم بالتحريم.
وقال آخرون: - وهو الصحيح - أنه لا قصاص، لأنه مضمون بالدية لأنه قد بذلها للقطع، فكان شبهة في سقوط القود عنه، فإذا ثبت أن على المقتص دية اليسار، فإن القود باق له في يمين الجاني لأن يساره لم يصر بدلا عن يمينه، ولا