الأشياء سقطت شهادته، فأما إن كان مجتنبا للكبائر مواقعا للصغائر فإنه يعتبر الأغلب من حاله، فإن كان الأغلب من حاله مجانبته للمعاصي، وكان يواقع ذلك نادرا قبلت شهادته، وإن كان الأغلب مواقعته للمعاصي واجتنابه لذلك نادرا لم تقبل شهادته، وإنما اعتبرنا الأغلب في الصغائر لأنا لو قلنا إنه لا تقبل شهادة من أوقع اليسير من الصغائر، أدى ذلك إلى أن لا تقبل شهادة أحد لأنه لا أحد ينفك من مواقعة بعض المعاصي.
فأما أهل الصنائع الدنيئة كالحارس والحجام والزبال والقيم وما أشبه ذلك، فإذا كانوا عدولا في أديانهم، قال قوم: لا تقبل شهادتهم، لأن من استجاز لنفسه هذه الصنائع سقطت مروءته ولم تقبل شهادته، وقال آخرون: وهو الأصح عندنا أن شهادتهم تقبل لقوله تعالى: " إن أكرمكم عند الله أتقيكم "، وأما الحائك فحاله أحسن من حال هؤلاء، فمن قبل شهادة أولئك قبل شهادته، ومن لم يقبل قال بعضهم:
تقبل شهادته، وهو الأقوى عندي، وقال آخرون: لا تقبل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أكذب الناس الصباغون والصواغون، واختلفوا في تأويل هذا، فقيل: أراد به أنهم أكذب الناس، لأنهم يخلفون المواعيد ويقولون غدا نعطي وبعد غد، فيكذبون في ذلك، وقيل: أراد أنهم يقولون مالا يفعلون، فإن الصباغ يقول أصبغ هذا فاختيا وليس يصبغه كذلك، وإنما يصبغ مثله والصائغ يقول أصوع هذا طائرا وإنما يصوع مثله فلا ترد شهادة هؤلاء لأجل صنائعهم، ولكن إن تكرر منهم الكذب وكثر، فسقوا بذلك وسقطت شهادتهم، وإن كان قليلا لم يؤثر في الشهادة.
قد ذكرنا أنه لا تقبل إلا شهادة العدل المسلم وإسلامه يثبت بأحد ثلاثة أشياء:
إما أن يعرف ذلك الحاكم منه أو تقوم بينة بذلك أو يقر هو بأنه مسلم، وأما العدالة فيحتاج أن تثبت عنده عدالته في الظاهر والباطن، على ما ذكرناه فيما قبل، ولا يقتصر في معرفة ذلك على الظاهر، ومن راعى الحرية قال: يحتاج أن يثبت عنده معرفتها ظاهرا وباطنا، ولا يقتصر في معرفة ذلك على الظاهر، وإن أقر الشاهد أنه حر لم