فضيلة، وليس كذلك غيره، لأنه إذا لم يكتب كان نقصا فيه فبان الفصل بينهما.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الحاكم يجب أن يكون عالما بالكتابة والنبي عليه السلام عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوة، وإنما لم يحسنها قبل البعثة.
إذا ارتفع إليه خصمان فذكر المدعي أن حجته في ديوان الحكم، فأخرجها الحاكم من ديوان الحكم مختومة بخاتمه مكتوبا بخطه نظرت: فإن ذكر أنه حكم بذلك حكم له، وإن لم يذكر ذلك لم يحكم به عندنا وعند جماعة، وقال قوم:
يعمل عليه ويحكم به وإن لم يذكره لأنه إذا كان بخطه مختوما بخاتمه فلا يكون إلا حكمه، وإنما قلنا بالأول لقوله تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم "، ولأن الخط يشبه الخط، وقد يحتال عليه، فيكتب مثل خطه ويوضع في ديوانه، فربما قضي بغير حق.
قالوا: أليس لو وجد في روزنامج أبيه بخط أبيه دينا على غيره كان له أن يعمل على خطه ويحلف على استحقاقه بالخط؟، هلا قلتم في الحكم مثله؟ قيل:
الفصل بينهما أن الشهادة والحكم لا بد فيهما من علم يعمل عليه، فلهذا لم يعمل على الخط، وليس كذلك في الدين والمعاملة، لأنها مبنية على ما يغلب على ظنه وبالخط يغلب على ظنه، على أن عندنا أنه لا يجوز للورثة أن يحلف على ما يجد خط أبيه به.
إن ادعى عنده مدع حقا على غيره فأنكر، فقال المدعي: لي بما ادعيته حجة عليه، لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يقول: أقر لي بالحق، أو حكم لي به عليه حاكم، أو أنت حكمت لي به.
فإن قال: أقر لي به، نظرت: فإن أقام البينة أنه أقر عندك بالحق قضي به عليه، لأن البينة لو شهدت على إقراره به في غير مجلس الحكم قضي عليه بها، فكذلك إذا كان في مجلس الحكم، وإن لم يكن له بينة لكن الحاكم ذكر أنه أقر له به، فهل يقضي بعلمه؟ قال قوم: يقضي بعلمه، وقال آخرون: لا يقضي، وعندنا أن الحاكم إذا كان مأمونا قضى بعلمه، وإن لم يكن كذلك لم يحكم به.