وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء ولا تعتبر في ورود الماء على النجاسة وخالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة ويقوى في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب إليه الشافعي والوجه فيه أنا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء عليه وذلك يشق فدل على أن الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر في القلة والكثرة كما يعتبر في ما يرد النجاسة عليه.
المسألة الرابعة:
الماء إذا خالطه طاهر فغير إحدى صفاته لا يجوز الوضوء به، الصحيح عندنا أن الماء إذا خالطه بعض الأجسام الطاهرة من جامد أو مائع فلم يثخن به و لم يخرج عن طبعه وجريانه ويسلبه إطلاق اسم الماء عليه فإن الوضوء به جائز ولا اعتبار في الغلبة بظهور اللون أو الطعم أو الرائحة بل بغلبة الأجزاء على حد يسلبه إطلاق اسم الماء ووافقنا على ذلك أبو حنيفة وراعى الشافعي ومالك في ذلك تغيير الأوصاف من لون أو طعم أو رائحة وزعما أن أحد أوصاف الماء متى تغير ولو باليسير من الطاهر لم يجز الوضوء به.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه مع إجماع الفرقة المحقة قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا. فنقلنا من الماء عند فقده إلى التراب من غير واسطة والماء الذي خالطه يسير من زعفران يطلق عليه اسم الماء ولا ينتقل من وجوده إلى التراب وأيضا قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم، عام في كل مائع يتأتى الاغتسال به إلى أن يقوم دليل على اخراج بعضها وليس لأحد أن يدعي أن يسير الزعفران إذا خالطه الماء سلبه إطلاق اسم الماء وذلك أن إطلاق الاسم هو الأصل والتقييد داخل عليه وطار بعده كالحقيقة والمجاز. فمن ادعى زوال الإطلاق في الماء فعليه الدليل. وبعده فإنهم يقولون في ذلك أنه ماء وقع فيه زعفران ولا يضيفونه إليه كما يضيفون الماء المعتصر من الزعفران إليه ومما يدل على أن تغيير أحد الأوصاف لا معتبر به. إن الماء الذي يجاوره الطيب الكثير كالمسك وغيره قد يتغير رائحته بمجاورة الطيب ومع هذا فلا خلاف في جواز الوضوء به.