المراد منهما إجمالا لا إلى تحديدهما.
اللهم إلا أن يقال: إنه من المستبعد جدا جهل الرواة بهما من حيث الموضع، ولا سيما مع كون الراوي في الرواية الأولى علي بن مهزيار، وقد ذكر اختلاف الأصحاب في المسألة وأنه بنفسه كان يتم فيهما إلى أن أشاروا إليه بالتقصير. فيعلم من ذلك عدم جهله بالحرمين من حيث الموضع وأن المراد بهما: الحرمان المعروفان، وإنما أراد بسؤاله الاستفسار عن حدودهما التي يثبت فيها الإتمام.
وعلى هذا فما وقع فيه تفسير الحرمين بالبلدتين يقع مفسرا لجميع أخبار الحرمين، فيرتفع التعارض بينها وبين ما عبر فيه بالبلدتين.
وحينئذ فيتردد الأمر بين الأخذ بظاهر لفظتي مكة والمدينة وبين تخصيص الحكم بخصوص المسجدين، إذ مقتضى الأول كون البلد تمام الموضوع للحكم بلا دخالة لحيثية المسجدية في ذلك، ومقتضى الثاني كون خصوصية المسجدية أيضا دخيلة، فيتعارضان نحو تعارض المطلق والمقيد المثبتين بعد إحراز وحدة الحكم، إذ مع احتمال تعدده لا تنافي بينهما حتى يحمل أحدهما على الآخر.
فإن قلت: لا دليل في المقام على وحدة الحكم، لاحتمال كون الاختلاف بحسب مراتب الفضيلة والاستحباب، فيكون استحباب الإتمام في المسجدين آكد من غيرهما، فلا تعارض بين الروايات حتى يحمل بعضها على بعض، إذ المعارضة فرع وحدة الحكم، ألا ترى أن المشهور بينهم عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات، والسر في ذلك أنه لا سبيل فيها إلى إحراز وحدة الحكم، لاحتمال كون الاختلاف فيها بحسب اختلاف مراتب الفضيلة.
قلت: يبعد ذلك تصفح أخبار المسألة وملاحظة الأسئلة والأجوبة الواقعة فيها، إذ بالدقة فيها يظهر أن المقصود في جميعها بيان حكم واحد مختلف فيه بين الأصحاب، وهو أن تعين القصر على المسافر هل يكون ثابتا مطلقا أو ورد عليه