أذهانهم، ففصل الأئمة (عليهم السلام) بين صورة العزم وعدمه، من جهة أن العزم يوجب فراغ خاطر المسافر وانصرافه عن الضرب في الأرض بالكلية، بحيث ينشئ بعد مضي مدة إقامته سفرا جديدا. وهذا بخلاف المتردد، فإنه لتردده وقوله: " غدا أخرج أو بعد غد " كأنه لم يخرج بعد من كونه مسافرا إلا إذا طال مدة وقوفه جدا. وبعد ما بين الأئمة (عليهم السلام) هذا المعنى انسبق إلى أذهان السائلين انقطاع السفر السابق بالكلية بعد بلوغ مده الوقوف إلى هذا المقدار الذي ذكره الإمام (عليه السلام)، إذ كان أصل هذا المعنى، أعني كون مقدار من الوقوف بحيث يوجب قطع السفر السابق، مركوزا في أذهانهم، وسؤالهم كان عن حده بعد كون أصله مفروغا عنه.
فبهذا البيان ربما يقطع الفقيه المتتبع المطلع على ارتكازات المخاطبين وعلى الظروف التي صدرت فيها الأخبار أن مقصود الأئمة (عليهم السلام) كان بيان حد الإقامة التي توجب قطع السفر السابق وزوال حكمه بالكلية. وعلى هذا يصير كل من طرفي الإقامة موضوعا مستقلا لأخبار المسافة ولا ينضم اللاحق إلى السابق، فافهم اغتنم.
وأما المقام الثاني فملخص الكلام فيه أنه لو سلم عدم دلالة أخبار الإقامة على انقطاع السفر وشمول روايات المسافة أيضا لمثل هذه المسافة التي تخلل في أثنائها الإقامة ونحوها فلا محيص عن الأخذ بمفادها والقول بثبوت القصر في الطرفين، لا يكفي روايتا زرارة وإسحاق بن عمار المذكورتان في كلام الهمداني (قده) لتقييدها.
أما رواية زرارة فلأنه إن أريد إثبات ذلك منها بسبب تفريعه (عليه السلام) ثبوت التقصير في سفر عرفات على كون المقيم بمكة بمنزلة أهلها، ففيه: أن هذا التفريع لا يمكن أن يؤخذ بظاهره، بداهة عدم تفرع القصر في سفر عرفات على كون المقيم بمنزلة الأهل وكون الإقامة قاطعة للسفر موضوعا، إذ القصر ثابت في سفر عرفات على أي حال، سواء كان المقيم بمكة بمنزلة أهلها أم لم يكن، غاية الأمر أنه على الأول يستند إلى