في المسألة وجوه. وقد نسب إلى الفاضل الفتوني كون الاعتبار بسور البلد، (1) إلى الشهيدين وجماعة أن الاعتبار بحد الترخص (2) ولعلهم استفادوا ذلك من الأخبار الحاكمة بوجوب القصر بعد الخروج من حد الترخص وثبوت الإتمام على المسافر بعد ما وصل في رجوعه إليه، بتقريب أن هذا الحكم ليس تعبدا محضا، بل من جهة أن الخروج من البلد لا يصدق عرفا ما لم يخف عن السمع والبصر آثاره، وأن الوصول إلى هذا الحد وصول إلى البلد عرفا. فالسائر في أطراف البلد لا يخرج من كونه مقيما فيه ما لم يخف عنه آثاره من الجدران والأذان، فتأمل.
وكيف كان فالأقوى أن المسافر إذا خرج من البلد ومن توابعه المتصلة التي يعد كونه فيها كونا في نفس البلد وصار بحيث لا يصدق عليه حين خروجه أنه في هذا البلد أضر ذلك بإقامته في هذا البلد وإن تحقق منه ذلك في زمن قليل وحينئذ فإذا كان من أول الأمر قاصدا لذلك كما هو مفروض الكلام في هذه المسألة لم يتحقق منه الإقامة المعتبرة في انقطاع حكم السفر أصلا، وأما الخروج من المنزل إلى سائر نقاط البلد بل إلى التوابع المتصلة به فلا يضر بصدق الإقامة قطعا.
وبعبارة أخرى: الأقوى في معنى الإقامة هو ما قويناه سابقا وعلقناه على العروة، حيث قلنا: " إن إقامة المسافر يوما أو أياما في منزل عبارة في العرف عن بقائه فيه متعطلا عما هو شغل المسافرين في كل يوم من طي مرحلة قصيرة أو طويلة، لا جعله ذاك المنزل محل استراحته ونومه عند فراغه من شغل المسافرة في يومه. " (3)