وإن شئت توضيح ذلك فنقول: إنك إذا نظرت إلى وضع المسافرات التي كانت تتحقق في زمن صدور الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ظهر لك أنه كان من عادة المسافرين تقسيم كل يوم وليلة وصرف مقدار منهما في الضرب في الأرض والباقي منهما في الإقامة في مكان للاستراحة وتجديد القوى، وكان يختلف ذلك باختلاف الفصول والمسافرين والطرق والمراكب، فكانوا في بعض الفصول يسيرون في النهار ويقيمون في الليل، وفي بعضها بالعكس، وفي بعض بالتلفيق، وكان مقدار سير بعضهم في مجموع اليوم والليلة ثمانية فراسخ، ومقدار سير بعضهم خمسة فراسخ أو أربعة أو ثلاثة أو أقل حسب اختلاف الأشخاص والأحوال والطرق والمراكب ونحو ذلك، وكان يعد بنظر العرف مجموع الضرب والإقامة الموقتة الحاصلة لتجديد القوى سفرا. فإذا قيل لهؤلاء المسافرين: إن العزم على إقامة العشرة أو إقامة الشهر مترددا، بحيث يقول المسافر: غدا أخرج أو بعد غد، يوجبان الإتمام كان يتبادر إلى أذهانهم من لفظ الإقامة المعنى المقابل للسير في الأرض، وكانوا يستفيدون من كلام الإمام (عليه السلام) أن المسافر الذي كان بحسب طبعه يسير بعضا من اليوم والليلة ويقيم بعضا آخر إذا عرض له طارئ وقاسر خارجي فلم يتحقق منه السير في مقدار ثلاثين يوما مثلا فصرف مجموع هذا المقدار في الإقامة لجهة من الجهات وجب على هذا المسافر الإتمام بعد ما تحقق إقامة الشهر. وبعبارة أخرى: المتبادر إلى أذهان العرف من لفظ إقامة الشهر ترك شغل السير والضرب في الأرض والتعطل عنه، بحيث يصرف جميع مدة الشهر في الإقامة والبقاء في مكان، فيرادف لفظ الإقامة قول العجم: " لنگ كردن ".
والحاصل أن المستفاد من أخبار المسألة ولا سيما بقرينة قوله: " غدا أخرج أو بعد غد " هو أن المسافر الذي كان يتحقق منه الإقامة في كل يوم للاستراحة وتجديد القوى إذا حصل له شاغل خارجي فألجأه إلى أن يعزم على إقامة العشرة أو طالت