ربما يسمى في أعصارنا بالوطن المستجد في مقابل الأصلي، بل الذي كان مبحوثا عنه في عصرهم (عليهم السلام) كما يظهر للمتتبع هو مسألة مرور المسافر أثناء سفره بضيعة له أو غيرها من الأملاك، فكان يفتي بعضهم ومنهم الشافعي في أحد قوليه بوجوب الإتمام على من مر بملكه، وآخرون بوجوب القصر. ومنشأ توهم الإتمام ما قد اختلج في أذهانهم من كون الحكمة لوجوب القصر كون السفر موجبا للمشقة المقتضية للتسهيل، ووصول المسافر إلى محل له فيه علاقة ملكية مما يوجب زوال بعض المشقة، فناسب الإتمام. وبالجملة كأن المار بملكه يكون برزخا بين الحاضر والمسافر، فألحقه بعضهم بالحاضر وآخرون بالمسافر، وبعدما كانت المسألة مبحوثا عنها بين فقهاء العامة صار أصحابنا الإمامية أيضا بصدد استفسار الأئمة (عليهم السلام) عن حكمها، فأجابوا تارة بالإتمام، وأخرى بالقصر، وثالثة بالتفصيل بين صورة الاستيطان وغيرها. فمفروض السائلين في الأخبار هو المسألة المبحوث عنها بين العامة، أعني مرور المسافر أثناء سفره بضيعته أو غيرها من أملاكه، لا المقر الفعلي الذي لا ريب في خروج المسافر بسبب المرور به من كونه مسافرا حقيقة. الظاهر أن تفصيل الإمام (عليه السلام) بين صورة الاستيطان وغيرها أيضا إنما يكون بعد انحفاظ أصل موضوع البحث والسؤال، فلا يمكن حمل الاستيطان في الأخبار على الوطن العرفي بمفاده عند العجم. كيف! وإلا يلزم أن يكون الاستثناء في قوله (عليه السلام):
" إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه " بنحو الانقطاع، إذ المفروض في السؤال كما عرفت عدم كون الضيعة وطنا عرفيا.
ومما يؤيد ما ذكرناه أن الغالب والمتعارف بين مالكي القرى والضياع عدم إقامتهم في ضياعهم المتباعدة عن الأمصار بمقدار يصدق عليها الوطن العرفي العجمي، بل يمرون بها لضبط المحصولات أو التنزه مثلا ولا سيما مثل ابن يقطين وابن بزيع المتمكنين الذين كثرت ضياعهما، فيكون حمل الاستيطان في هذه