عبارة عن محل الإقامة والمقر الفعلي، من دون أن يؤخذ فيه قصد الوطنية أو قصد البقاء فيه دائما، وقد عرفت تفسير الوطن والإيطان في كلمات أهل اللغة بالإقامة. يشهد لذلك أيضا شعر رؤبة الذي حكاه عنه في الصحاح، بل واستعمال لفظي الوطن والموطن في مرابض الغنم، إذ الظاهر عدم كونها معنى آخر للفظين، بل الموضوع له فيهما هو محل الإقامة سواء كان للإنسان أم لغيره. بل قوله (عليه السلام) في رواية ابن بزيغ في تفسير الاستيطان: " أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر " أيضا يظهر منه أن المراد بالاستيطان نفس الإقامة، فإنه بعد ما قال الإمام (عليه السلام): " إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه " سأله الراوي عن الاستيطان، فأجابه الإمام بذلك، الظاهر أن تفسير الاستيطان هو من قوله: " يقيم "، إذ ما ذكر قبله هو بعينه ما ذكر قبل قوله: " يستوطنه " في بادئ الأمر. فمعنى الاستيطان حينئذ هو نفس الإقامة، وليس في الرواية اسم من القصد والنية، بل يمكن أن يقال: إن كون الاستيطان بمعنى الإقامة كان أمرا واضحا للرواة، لكونه من المفاهيم العرفية، ولأجل ذلك علق الحكم في الروايات الأخر على الاستيطان من غير أن يذكر له تفسير مع كونها بصدد البيان، بل في صدر رواية ابن بزيع أيضا علق الحكم على الاستيطان بنحو الإطلاق، بحيث لو لم يسأل الراوي عن مفهومه لم يكن الإمام (عليه السلام) مبينا له كما في سائر الأخبار.
وبالجملة مفهوم الاستيطان مفهوم مبين عرفي وليس القصد مأخوذا فيه قطعا، لعل سؤال ابن بزيع أيضا لم يكن عن ماهية الاستيطان وإن وقع بلفظة " ما "، بل عن مقدار الإقامة الذي يعتبر في وجوب الإتمام بعد علمه إجمالا بكونه بمعنى الإقامة، فالجواب بحسب الحقيقة هو قوله: " ستة أشهر ".
والحاصل أن تتبع كتب اللغة واستعمالات العرب يرشدنا إلى أن الوطن واشتقاقاته مما لم يعتبر في مفهومها قصد العنوان أو قصد الدوام حتى يكون الوطنية من العناوين القصدية الحاصلة بالإنشاء عن قصد، بل هو عبارة عن محل الإقامة