الموجب كما هو الظاهر من اللفظ، وعلى هذا يكون الكبرى المطوية عبارة عن الشاغل بالفعل.
فإن قلت: يجب أن يكون جوابه (عليه السلام) بحيث يرفع به استعجاب ابن مسلم.
قلت: جوابه (عليه السلام) مع كونه ناظرا إلى بيان موضوع آخر للقصر يصلح لرفع الاستعجاب أيضا، لأن استعجابه كان من قلة البريد في نظره، إذ كان الشائع بين المسلمين التحديد بالمراحل والمرحلتين ونحوهما. فيرجع جوابه (عليه السلام) إلى أن البريد ليس بقليل، إذ بانضمام الرجوع إليه يصير شاغلا لليوم، وما يشغل اليوم بتمامه لا يعد قليلا، لاستلزامه للمشقة التي هي علة القصر في السفر.
فإن قلت: إن حمل جواب الإمام (عليه السلام) على الشاغلية التقديرية أعني كون البريد بسبب ضم الرجوع إليه بمقدار مسيرة اليوم رجع إلى ما ذكرناه وبطل الاستدلال بالحديث، وأما إذا جمدت على ظاهر اللفظ فعليك أن تحمل لفظ اليوم أيضا على ظاهره ولا يتعدى منه إلى الليل.
قلت: لا ملازمة بين الأخذ بظاهر الشغل وبين الجمود على ظهور لفظ اليوم، إذ من المقطوع به عدم الدخالة لخصوصية النهار في المقام، بل المراد باليوم هنا وببياض اليوم في أخبار الثمانية هو القدر الذي يصرف في السير من مجموع اليوم والليلة في مقابل ما يصرف في الاستراحة، فإن المعتاد بين المسافرين صرف مقدار منهما يناسب السير في المسير وصرف الباقي في الاستراحة ويختلف ذلك باختلاف الفصول والأزمان. ومجموع السير المعتاد في مجموع اليوم والليلة بحسب المراكب السابقة كان ثمانية فراسخ، ولم يجر العادة على طي هذا المقدار في النهار فقط، بل ربما كان في النهار فقط، وربما كان في الليل فقط، وربما كان بالتلفيق حسب اقتضاء الحال والزمان. فالمراد باليوم هو المقدار المصروف في السير من مجموع اليوم والليلة، بياض اليوم أيضا كناية عن ذلك.