وبعبارة أخرى ما تدل على الصلاة في الثوب النجس لا تدل وضعا إلا على البعث إليها، وتدل أيضا على أن الصلاة معه تمام الموضوع لاسقاط أمرها، وما تدل على الصلاة عاريا في نفسها تدل على أن الصلاة عاريا كذلك، وبعد ضم الطائفتين والعلم بعدم لزوم الجمع كما هو المفروض بل يدل عليه بعض الروايات في الباب أيضا تكون النتيجة التخيير بينهما، والحاصل أن للقول بالتخيير وجهين، أحدهما دلالة الروايات على الجواز في الطرفين لكون الأوامر والنواهي لا يدلان في المقام إلا على الرخصة، وثانيهما عدم دلالة لفظية على التعيين، فلا معارضة بينهما، ومع عدم لزوم الجمع يحكم العقل بالتخيير.
ثم إن الوجه الأول جار في جميع الروايات إلا في رواية الحلبي الآتية (1)، والثاني لا يجري فيها ولا في صحيحة علي بن جعفر (2) الناهية عن الصلاة عاريا والآمرة بالصلاة في الثوب ولا في صحيحة الحلبي (3) الآمرة بالصلاة عاريا والآمرة بطرح الثوب.
وأما رواية الحلبي المخالفة للطائفتين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره، قال: يصلي فيه إذا اضطر إليه (4) ففيها احتمالان أحدهما أن الصلاة فيه مشروطة بالاضطرار إليه كشدة برد ومرض ونحوهما، فتدل على تعين الصلاة عاريا إلا لعارض وتخالف التخيير بينهما، ثانيهما أن المراد ليس الاضطرار الخارجي بل ما هو ناشئ من قبل التكليف بالصلاة، فكأنه قال: بعد كون الثوب واحدا وكونه مضطرا لايقاع الصلاة لأنها لا بد منها يصلي فيه فتدل على لزوم الصلاة في الثوب معينا، فإنه مع التخيير لا معنى للاضطرار، ولو كانت الرواية مجملة من هذه الحيثية لكن دلالتها على نفي التخيير مشتركة بينهما، فقامت الحجة الاجمالية على نفيه، لكنها ضعيفة لا تصلح لمعارضة الروايات الصحيحة