وأما سائر أبواب الأمانات فما عدا العارية وهو الوكالة والوديعة فكذلك - أي لا يصح شرط الضمان - لكن لا من جهة استحقاقه كون العين في يده، بل من جهة كونهما استنابة عن المالك، فجعل يدهما بمنزلة يده ينافي ضمانه. فحقيقة الاستنابة منافية للضمان، لإرجاعه إلى ضمان نفسه.
وعلى هذا فلا فرق في الوكالة بين كونها تبرعا أو بجعل، فإن الجعل لا ينافي الاستنابة.
نعم، لو قيل، كما توهم: إن عدم الضمان من جهة إرجاعهما إلى مصلحة المالك فيتفاوت صورة التبرع وغيرها، ولكن مجرد ذلك لا يكاد يكفي في عدم الضمان، إلا بضميمة مثل ما جعل الله على المحسنين سبيلا وأمثال ذلك، حتى يتم وينتج.
وعلى أي حال بعد ما عرفت من منافاة الاستنابة مع الضمان وكونهما من هذا الباب فلا نحتاج إلى كبرى أخرى.
بقي الكلام من الأمانات الخمس في العارية وقد ظهر أنه لا مانع من اشتراط الضمان فيها، لعدم دخولها في إحدى الكبريات المذكورة - من كون تصرف المستعير عن حق مالكي، أو استنابة، أو كونه مصلحة للمالك وإحسانا عليه - بل مجرد تحليل وإباحة، وهذا غير مقتض لعدم الضمان بوجه.
نعم، مقتضى إطلاقها وإرسالها ذلك. وعليه يحمل ما في بعض الأخبار " ليس على المستعير عارية ضمان (1) إلى آخره ". فإن عدم الضمان كما يمكن أن يكون مستندا إلى علة موجبة لذلك، كذلك يمكن أن يكون لعدم المقتضي للضمان. فلا اقتضاء للعقد بحسب ذاته لا له، ولا لعدمه. فيصح اشتراط الضمان، كما يصح اشتراط عدمه. وطريق استكشاف ذلك - أي كونه من باب عدم العلة، أو العلة الموجبة لعدمه - ما في الأخبار العديدة من الضمان عند الاشتراط فراجع.
وقد ظهر مما تقدم أن حال الإجارة على الأعمال بعينه حال العارية في عدم دخولها في الكبريات المذكورة المنافية للاشتراط، كما هو واضح.