ومن ذلك كله يستكشف أن ما يقع عليه الإجارة ليس صرف المنافع المتدرجة، وإلا فقد عرفت أنه لا وجه لاستحقاق الأجرة بتسليم العين، بل للعين نحو دخل في متعلق الإجارة. ولذا نقل عن بعض أهل النظر من هؤلاء الأواخر أن الإجارة تمليك العين موقتا. ولكن فساده واضح، لعدم معهودية التوقيت في الملكية في الشريعة، إلا أن بناء ذاك القائل مخالفة القوم في هذه المراحل فتأمل.
ويظهر من المحقق والعلامة (قدس سرهما) (1) (2) - من تعريفهم لها بأنها عقد ثمرته تمليك المنافع - أن المعقود عليه ليس صرف المنافع، بل المحكي عن التذكرة التصريح بذلك.
وهو كذلك عند التحقيق والنظر الدقيق، فإن النقل والانتقال تارة يقع على نفس الأعيان فيتبعه آثار الملكية، وكلما يكون من لوازمها عرفا وشرعا، ومنها كون العين تحت يده الانتفاعية، بمعنى سلطنته عليها على نحو يصح له الانتفاع بها بأنحاء منافعها وإن لم ينتفع بها فعلا.
وأخرى يقع على نفس المنافع المستوفاة تدريجا، فإنها وإن كانت معدومة ولكن لها نحو وجود باعتبار قابلية العين لها ونحو اعتبار عقلائي يصح بذل المال بإزائها - كما قدمناه - فلا إشكال في تمليكها من تلك الجهة، ولكن لازمه تقسيط الثمن الذي يقابلها وانتقاله إلى من أنتقل إليه جزء فجزء، حيث إن استحقاقه للأخذ مشروط بقبض ما انتقل عنه - أي المنافع - والمفروض كون قبضها تدريجيا، فيكون استحقاقه لأخذ الثمن كذلك، فافهم.
وثالثة يقع على ذاك الأمر المتوسط الذي أشرنا إليه من أنه من توابع الملكية ولوازمها، أي كون العين تحت يد الانتفاع، وهذا المعنى أيضا اعتبار عقلائي يصح بذل المال بإزائه، بل هو أقوى من المنافع الفعلية، فإنه أمر يتحقق بالعقد، وينشأ بإنشاء تملكه وإن كان بقاؤه منوطا ببقاء العين على قابلية الانتفاع.
أما القسم الأول فهو مختص البيع وما هو موضوع لنقل الأعيان من العقود.