وأما القسمان الأخيران فيقع الكلام في أن المعقود عليه في عقد الإجارة أيهما، هل هو نفس المنافع التدريجية أو ذاك المعنى المتوسط الذي تصورناه؟
وعلى الثاني ينحل ذاك الإشكال - الذي أشرنا إليه من تسالمهم على استحقاق الأجرة بتمامها بتسليم العين إلى المستأجر - لما عرفت من أنه أمر متحقق حال العقد وينشأ به آنا لا تدريجا، وقبضه إلى من أنتقل إليه أيضا بنفس قبض العين ووضع يده عليها، فيستحق المؤجر العوض - أي الأجرة بتمامها - بنفس تسليم العين، لا أن يكون القبض تدريجا، حتى يكون استحقاق العوض أيضا كذلك. كما يستقيم أيضا تسالمهم على توقف استقرار العوض في ملكه ببقاء العين على قابلية الانتفاع، لما عرفت من أن هذا المعنى وإن كان آني الحصول بالعقد لكن بقاؤه متقوم ببقاء العين أيضا، فبخروج العين عن الانتفاع المقصود بالعقد يخرج عن كونه مقبوضا، ويترتب عليه حكم التلف قبل القبض. فتأمل جيدا.
وكيف كان، فلو قلنا بأن المعقود عليه في إجارة الأعيان ذاك المعنى المتوسط المستتبع للمنافع التدريجية - كما هو التحقيق والظاهر من كلمات بعض الأجلة كالمحقق والعلامة بأنها عقد ثمرته تمليك المنافع - فاستحقاق المستأجر لوضع اليد على العين في كمال الوضوح، لما عرفت من أن حقيقة المعقود عليه متقومة بوضع اليد على العين، بل هو هو معنى، كما لا يخفى.
وأما على القول بأنه نفس المنافع، فلازم استحقاقها وملكيتها وضع اليد عليها عقلا.
وعلى أي حال فنفس الإنشاء العقدي متضمن لكون العين تحت انتفاعه، إما مطابقة على الأول، أو التزاما على الوجه الثاني. فيكون وضع اليد على العين عن حق مالكي منشأ بالعقد مطابقة أو التزاما، فاشتراط ضمانها على المستأجر خلاف الكتاب، كما هو واضح. فكون اليد عن حق مالكي إنما يثبت بالعقد ومن المدلولات الالتزامية لما هو المنشأ به، بل نفس المنشأ على تقدير، وعدم ضمان اليد الثابت عن حق واستحقاق أمر ثابت في الشرع فلا ينفذ اشتراط الضمان.