وثالثا: أن الحكم التكليفي المجعول لا بد من أن يكون مناسبا للحكم الوضعي، لأن المقصود بالأصالة إذا كان تشريع الوضعي ولم يمكن جعله إلا بجعل منشأ انتزاعه فيجب أن يجعل منشأ الانتزاع على نحو ينتزع عنه الحكم الوضعي.
فإذا قيل: يجب الوفاء بالعقد فلا بد من إثبات الوجوب في جميع الآنات وبالنسبة إلى كل طار من الفسخ وغيره، وإثبات الوجوب في جميع الآنات لا محالة، إما بدليل خارجي، وإما بدليل الحكمة، وهو لغوية وجوبه في بعض الآنات. فبالأخرة يرجع الزمان إلى الحكم لا إلى المتعلق. وأما إثبات الوفاء بالنسبة إلى كل طار فلا يفيد إلا أن العقد بالفسخ لا ينفسخ، لا أن الوفاء ثابت دائما.
وبالجملة: وإن أمكن أخذ الزمان ظرفا للمتعلق فيقال: إن الوفاء في كل آن واجب، إلا أنه لو لم يؤخذ في اللفظ كذلك وعلم من الخارج لغوية تشريع هذا الحكم في بعض الأزمان يقع الزمان فوق دائرة الحكم لا محالة.
وأما التكليفيات فالكلام فيها تارة يقع في النواهي، وأخرى في الأوامر. أما النواهي فيمكن ثبوتا كلا القسمين فيها، بأن تكون حرمة الخمر - مثلا - دائمية في جميع الأزمنة، أو يكون الشرب محرما دائما.
فإذا كان الزمان ظرفا للحكم لا يمكن تشريع الاستمرار ثبوتا بتشريع الحكم، ولا استفادته إثباتا من دليل الحكم، لأن الحكم بمنزلة الموضوع للدوام والاستمرار، فلا بد من تشريعه أولا ثم جعله دائميا، وهكذا في مقام الإثبات لا بد من استفادة الاستمرار من غير دليل الحكم كدليل الحكمة ونحوه.
وإذا كان ظرفا للمتعلق فيمكن تشريعه ثبوتا بتشريع الحكم واستفادته إثباتا منه. وتقدم أن اعتبار ثبوت المتعلق في جميع الآنات لا يختص بلفظ خاص، فينشأ بمثل أبدا أو دائما أو في كل آن، أو يستفاد من دليل التخصيص كما إذا خرج الشرب في زمان خاص من لا تشرب الخمر، فإنه يستكشف منه أن الشرب في جميع الآنات كان متعلقا للحكم.
ثم لا يخفى أن لفظ الاستمرار والدوام والأبد مثل لفظ كل آن في أن الظاهر