الزماني من الدليل الدال على وجوب المتعلق في مقام اللفظ بمكان من الإمكان، فيصح أن يقال: أكرم العلماء دائما، أو في كل زمان، أو مستمرا، وغير ذلك من الألفاظ. وأما إذا لم يكن ظرفا للمتعلق فلا يمكن استفادة العموم واستمرار الحكم إلا من دليل خارجي من حكمة وغيرها، وهذا لا إشكال فيه. إنما الكلام في تمييز الموارد التي يكون الزمان ظرفا للحكم عن غيرها، فنقول: جميع الأحكام الوضعية لا بد من أن يكون الزمان فيها ظرفا للحكم - كقوله هذا نجس، وهذا طاهر، وهذا ملك زيد، والعقد لازم، وهكذا - لعدم ثبوت متعلق فيها حتى يردد بين كون الزمان ظرفا له أو للحكم، بل هناك حكم وموضوع، فيجب أن يكون الزمان ظرفا للحكم.
فإن قلت: هذا لو قيل بتأصلية الأحكام الوضعية، وأما لو قيل بانتزاعيتها من الأحكام التكليفية فلا محالة كل حكم تكليفي له متعلق، فيمكن أن يكون الزمان ظرفا له لا للحكم.
قلت أولا: أنه لا يمكن أن يكون مثل النجاسة والطهارة ولزوم العقد والملكية والزوجية وأمثال هذه الوضعيات منتزعة، لعدم صحة انتزاع النجاسة المترتبة عليها آثار مختلفة - كحرمة شربها، وفساد بيعها، وعدم جواز الصلاة معها - من حكم تكليفي يكون منشأ لانتزاع هذه الأحكام والآثار، لأن قوله: اجتنب عنه، أو لا تشربه، أو غيرهما لا يشمل جميع الآثار الوضعية.
وثانيا: أن الحكم التكليفي المنتزع عنه لزوم العقد - كأوفوا بالعقود - ليس له متعلق صادر عن المكلف خارجا، لأن الوفاء ليس من أفعال المكلف حتى يمكن أن يكون دائميا بلحاظ كل آن من الآنات. وحرمة تصرف كل عاقد فيما انتقل عنه ليس من آثار الوفاء ولكون التصرف نقضا له، بل من جهة أن ما انتقل عنه صار مال الغير فيكون تصرفا غصبيا. فهذا الحكم التكليفي لا محالة يرجع إلى أن العقد لازم ولا ينتقض. وليس " أوف بالعقد " ك " أوف بالنذر " حتى يكون وجوب الوفاء به هو العمل به كالعمل بالنذر، وإلا وجب العمل بالعقد بأن يتصرف في ما انتقل إليه.