والأطراف غير متناهية عددا. فالفضيلة بمثابة مركز الدائرة، والرذائل بمثابة سائر النقاط المفروضة من المركز إلى المحيط، فإن المركز نقطة معينة، مع كونه أبعد النقاط من المحيط، وسائر النقاط المفروضة من جوانبه غير متناهية، مع أن كلا منها أقرب منه من طرف إليه.
فعلى هذا يكون بإزاء كل فضيلة رذائل غير متناهية، لأن الوسط محدود معين، والأطراف غير محدودة، وتكون الفضيلة في غاية البعد عن الرذيلة التي هي نهاية الرذائل، ويكون كل منها أقرب منها إلى النهاية (4)، ومجرد الانحراف عن الفضيلة من أي طرف اتفق يوجب الوقوع في رذيلة. والثبات على الفضيلة والاستقامة في سلوك طريقها بمنزلة الحركة على الخط المستقيم وارتكاب الرذيلة كالانحراف عنه، ولا ريب في أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط الواصلة بين النقطتين، وهو لا يكون إلا واحدا، وأما الخطوط المنحنية بينهما فغير متناهية، فالاستقامة في طريق الفضيلة وملازمتها على نهج واحد، والانحراف عنه تكون له مناهج غير متناهية، ولذلك غلبت دواعي الشر على بواعث الخير.
ويظهر مما ذكر أن وجدان الوسط الحقيقي صعب، والثبات عليه بعد الوجدان أصعب. لأن الاستقامة على جادة الاعتدال في غاية الإشكال، وهذا معنى قول الحكماء " إصابة نقطة الهدف أعسر من العدول عنها، ولزوم الصوب (5) بعد ذلك حتى لا يخطيها أسر " ولذلك لما أمر فخر الرسل بالاستقامة في قوله تعالى:
" فاستقم كما أمرت " (6).
قال شيبتني سورة هود عليه السلام، إذ وجد أن الوسط الحقيقي فيما بين الأطراف العير المتناهية المتقابلة مشكل، والثبات عليه بعد الوجدان أشكل.
وقال (المحقق الطوسي) وجماعة: " إن ما ورد في إشارات النواميس من أن الصراط المستقيم أدق من الشعر، وأحد من السيف إشارة إلى هذا المعنى " وغير خفي بأن هذا التأويل جرأة على الشريعة القويمة، وهتك لأستار السنة