بحقائق الأشياء على ما هي عليه وهو موقوف على اعتدال القوة العاقلة، فإذا حصلت له حدة خارجة عن الاعتدال يخرج عن الحد اللائق ويستخرج أمورا دقيقة غير مطابقة للواقع، والعلم بهذه الأمور هو ضد الحكمة من طرف الإفراط وإذا حصلت لها بلادة لا ينتقل إلى شئ فلا يحصل لها العلم بالحقائق وهذا هو الجهل وهو ضده من طرف التفريط (واثنان) بإزاء الشجاعة " التهور والجبن ": (الأول) في طرف الإفراط وهو الإقدام على ما ينبغي الحذر عنه، و (الثاني) في طرف التفريط وهو الحذر عما ينبغي الإقدام عليه. (واثنان) بإزاء العفة وهما: " الشره والخمود ": و (الأول) في طرف الإفراط وهو الانهماك - اللذات الشهوية على ما لا يحسن شرعا وعقلا، و (الثاني) في طرف التفريط وهو سكون النفس عن طلب ما هو ضروري للبدن. (واثنان) بإزاء العدالة وهما: " الظلم والانظلام ": و (الأول) في طرف الإفراط وهو التصرف في حقوق الناس وأموالهم بدون حق، و (الثاني) في طرف التفريط وهو تسكين الظالم من الظلم عليه وانقياده له فيما يريده من الجبر والتعدي على سبيل المذلة، هكذا قيل.
والحق أن العدالة مع ملاحظة ما لا ينفك عنها من لازمها، لها طرف واحد يسمى جورا وظلما، وهو يشمل جميع ذمائم الصفات، ولا يختص بالتصرف في حقوق الناس وأموالهم بدون جهة شرعية، لأن العدالة بهذا المعنى - كما عرفت - عبارة عن ضبط العقل العملي جميع القوى تحت إشارة العقل النظري، فهو جامع للكمالات بأسرها، فالظلم الذي هو مقابله جامع للنقائص بأسرها، إذ حقيقة الظلم وضع الشئ في غير موضعه، وهو يتناول جميع ذمائم الصفات والأفعال فتمكين الظالم من ظلمه لما كان صفة ذميمة يكون ظلما، على أن من مكن الظالم من الظلم عليه وانقاد له ذلة، فقد ظلم نفسه، والظلم على النفس أيضا من أقسام الظلم. هذا هو بيان الطرفين لكل من الأجناس الأربعة للفضيلة.
ثم لكل واحد من أجناس الرذائل والفضائل أنواع ولوازم من الأخلاق والأفعال ذكرها علماء الأخلاق في كتبهم، وقد ذكروا للعدالة أيضا أنواعا، وقد عرفت فيما تقدم أن تخصيص بعض الصفات بالاندراج تحتها مما لا وجه