إذ كل فضيلة ورذيلة إما متعلق بالقوة العقلية، أو بقوتي الغضب والشهوة بتوسط العاملة، وليس لها في نفسها فضيلة ورذيلة على حدة كما لا يخفى.
مع أنه لو كان الاستعمال والضبط منشأ لاستناد ما يحصل من الفضائل إليها لزم أن تستند إليها جميع الفضائل، فكان اللازم إدخال جميع الفضائل تحت العدالة. وكذا الحال على تفسير العدالة بالطريق الثاني كما ظهر.
وعلى هذا فيلزم من عدهم بعض الفضائل أنواع العدالة دون بعض آخر تخصيص بلا مخصص، فالفضائل التي جعلوها أنواعا مندرجة تحت العدالة بعضها من أنواع الشجاعة أو لوازمها، وبعضها من أنواع العفة أو آثارها، وإن كان للعاملة من حيث التوسط مدخلية في حصول الجميع. فنحن لا نتابع القوم، ونجري على مقتضى النظر من جعل أنواع الفضائل والرذائل وأصنافها ونتائجها متعلقة بالقوى الثلاث دون العقل العملي، وإدخال جميعها تحت أجناسها على ما ينبغي من دون إدخال شئ منها تحت العدالة وضدها.
ثم إن الرذائل والفضائل مع مدخلية القوة العملية فيها بالاستعمال، إما متعلقة بمجرد إحدى القوى الثلاث، أو باثنتين منها، وبالثلاث. ومنال المتعلق بإحداها ظاهر كالجهل والعلم المتعلقين بالعاقلة، والغضب والحلم المتعلقين بالقوة الغضبية، والحرص والقناعة المتعلقين بالقوة الشهوية، أما ما يتعلق باثنتين منها أو الثلاث، فأما إن يكون له أصناف يتعلق بعضها ببعض وبعضها ببعض آخر، كحب الجاه أعني طلب المنزلة في القلوب: فإنه إن كان المقصود منه الاستيلاء على الخلق والتفوق عليهم، كان من رذائل قوة الغضب. وإن كان المقصود منه طلب المال ليتوسل به إلى شهوة البطن والفرج، كان من رذائل قوة الشهوة، وكذا الحسد أعني تمني زوال النعمة عن الغير: إن كان باعثه العداوة كان من رذائل القوة الغضبية. وإن كان باعثه مجرد وصول النعمة إليه كان من رذائل القوة الشهوية. أو يكون للثلاث أو الاثنتين مدخلية بالاشتراك في نوع الفضيلة والرذيلة أو بعض أصنافه، كالحسد الذي باعثه العداوة، وتوقع وصول النعمة إليه معا، وكالغرور وهو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، وتمييل النفس إليه بخدعة من الشيطان، فإن النفس إن كانت مائلة بالطبع إلى شئ من مقتضيات