للعقل: العملي على قوتي الغضب شهوة، أو نفس سياسته إياهما وضبطهما تحت إشارة العقل النظري، وأمثال ذلك، وعلى هذه التفاسير اللازمة للأول يلزم أن تكون العدالة جامعة لجميع الفضائل، ويتحقق معناها في كل فضيلة حتى تكون فردا لها..
وتحقيق المقام أن انقياد العقل العملي للعاقلة يستلزم ضبط قوتي الغضب والشهوة تحت إشارة العقل، وسياسته إياهما، واستعلائه عليهما. وهذا يستلزم اتفاق جميع القوى وامتزاجها. فجميع الفضائل الصادرة عن قوتي الغضب والشهوة، بل عن العاقلة أيضا إنما تكون بتوسط العقل العملي وضبطه إياها، إلا أن ذلك لا يوجب كونها كمالا له حتى يعد من فضائله، ووجهه ظاهر، ولا كون الضبط المذكور عدالة.
فالحق أن حقيقة العدالة هو مجرد انقياد العاملة للعاقلة، ومثل الضبط والاستعلاء والسياسة من لوازمه، والفضائل الصادرة عن القوى الأخرى بتوسط العقل العقلي إنما تندرج تحت لازم العدالة، لا عينها. فمن أدرج جميع الفضائل تحت العدالة نظره إلى اعتبار ما يلزمها، ومن لم يدرجه تحتها نظره إلى عدم اعتباره وعلى هذا لا بأس بأن يقال أن للعدالة إطلاقين (أحدهما) العدالة بالمعنى الأخص (وثانيهما) العدالة بالمعنى الأعم.
ثم إن القوم ذكروا لكل واحد من الفضائل الأربع أنواعا، فكما أدرجوا تحت كل من الحكمة والعفة والشجاعة أنواعا، فكذا أدرجوا تحت العدالة أيضا أنواعا كالوفاء والصداقة والعبادة وغيرها.
وأنت - بعد ما علمت أن العدالة بالتفسير الأول هو انقياد العاملة للعاقلة في استعمال نفس العاقلة وقوتي الغضب والشهوة - تعلم أن الفضائل بأسرها إنما تحصل باستعمال العاملة القوى الثلاث، فكل فضيلة إنما تتعلق حقيقتها بإحدى الثلاث، وإن كان حصولها بتوسط العاملة وضبطها الثلاث، إذ كون الاستعمال والضبط منها لا يقتضي استناد ما يحصل من الفضائل باستعمالها إليها مع صدورها حقيقة عن سائر القوى. وكذا لا يقتضي استناد ما يحصل من الرذائل لعدم انقيادها للعاقلة إليها. ومعلوم أنه لا يترتب على مجرد انقيادها أو عدمه لها فضائل ورذائل لم يكن لها تعلق بالثلاث أصلا،