هجرته فيه إلى الله ورسوله، بل إلى دنيا يصيبها أو امرأة يأخذها.
وقد ظهر مما ذكر: أن سوء الخاتمة باختلاف أسبابه راجع إلى أحوال القلب، وحالة القلب إما خاطر خير أو خاطر سوء أو خاطر مباح، فمن زهق روحه على خاطر مباح لم يكن الحكم بأنه ختم على خير أو سوء، بل أمره إلى الله، وإن كانت النجاة له أقرب بعد غلبة صالحات أعماله على فاسداتها ومن زهق روحه على خاطر سوء وهو أحد الخواطر المتقدمة:
" فقد ضل ضلالا بعيدا "، و " خسر خسرانا مبينا " (126).
ومن زهق روحه على خاطر خير وهو أن يكون قلبه في حالة الموت متوجها إلى الله ممتليا من حبه وأنسه " فقد فاز فوزا عظيما ". وهذا موقوف على المجاهدة في فطام النفس عن الشهوات الحيوانية، وإخراج حب الدنيا عنها رأسا،. الاحتراز عن فعل المعاصي ومشاهداتها والتفكر فيها، وعن مجالسة أهلها واستماع حكاياتهم، بل عن مباحات الدنيا بالكلية، وتخلية السر عما سوى الله، والانقطاع بشراشره إليه، وإخراج محبة كل شئ سوى محبته عن قلبه، حتى يصير حبه سبحانه والأنس به ملكة راسخة، ليغلب على القلب عند سكرة الموت، وبدون ذلك لا يمكن القطع بذلك، كيف وقد علمت أن الغشية المتقدمة على الموت شبه النوم، وأنت في غالب الرؤيا الظاهرة عليك في المنام لا تجد في قلبك حبا لله وأنسا به وتوجها إليه، بل لا يخطر ببالك أن لك ربا متصفا بالصفات الكمالية، بل ترى ما كنت تألفه وتعتاده من الأمور الباطلة والخيالات الفاسدة، فإن زهق روحك عند اشتغال خاطرك بشئ من الأمور الدنيوية، ولم يكن متوجها إلى الله ومستحضرا معرفته ومبتهجا بحبه وأنسه، لبقيت على تلك الحالة أبدا، وهو الشقاوة العظمى والخيبة الكبرى.
فتيقظ - يا حبيبي - من سنة الغفلة، وتنبه عن سكر الطبيعة، واخرج حب الدنيا عن قلبك، وتوجه بشراشرك إلى جناب ربك، واكتف من الدنيا بقدر ضرورتك ولا تطلب منها فوق حاجتك، واقنع من الطعام ما يقيم صلبك ولا تكثر التناول منه ليزيل من ربك قربك، وارض من اللباس بما