خطور البرق الخاطف. ومن هنا قيل (121): " إني لا أعجب ممن هلك كيف هلك، ولكني أعجب ممن نجا كيف نجا "، وورد (122): " إن الملائكة إذا صعدت بروح المؤمن، وقد مات على الخير والإسلام، تعجبت الملائكة منه، وقالوا:
كيف نجا من دنيا فسد فيها خيارنا ". ولذلك قيل (123): من وقعت سفينته في لجة البحر، وهجمت عليه الرياح العاصفة، واضطربت الأمواج، كانت النجاة في حقه أبعد من الهلاك وقلب المؤمن أشد اضطرابا من السفينة، وأمواج الخواطر أعظم التطاما من أمواج البحر، ومقلب القلوب هو الله.
ومن هنا يظهر سر قوله: " الناس كلهم هلكى ألا العالمون، والعالمون، كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم " (124).
ولأجل هذا الخطر العظيم كانت الشهادة مطلوبة وموت الفجأة مكروها، إذ موت الفجأة ربما يتفق عند غلبة خاطر سوء واستيلائه على القلب.
وأما الشهادة في سبيل الله فإنها عبارة عن قبض الروح في حالة لم يبق في القلب غير حب الله، وخرج حب الدنيا والمال والولد. فإن من هجم على صف القتال بأمر الله وأمر رسوله يكون موطنا نفسه على الموت لرضا الله وحبه، بائعا دنياه بآخرته، راضيا بالبيع الذي بايعه الله به في قوله:
" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " (125).
وبذلك يظهر أن القتل لا بسبب الشهادة التي حقيقتها ما فسر، لا يفيد الاطمئنان من هذا الخطر، وإن كان ظلما، وإن كان في الجهاد، إذا لم تكن