فقال: يا رب! كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: اذكرني بالحسن الجميل، وأذكر آلائي وإحساني، وذكرهم ذلك، فإنهم لا يعرفون مني إلا الجميل ".
ورأى بعض الأكابر في النوم - وكان يكثر ذكر أبواب الرجاء - فقال:
" أوقفني الله بين يديه، فقال: ما الذي حملك على ذلك؟ فقلت: أردت أن أحببك إلى خلقك. فقال: قد غفرت لك ".
هذا مع أن الرجاء أفضل من الخوف للعبد بالنظر إلى مطلعهما، إذ الرجاء مستقى من بحر الرحمة والخوف مستقى من بحر الغضب. ومن لاحظ من صفات الله ما يقتضي اللطف والرحمة كانت المحبة عليه أغلب، وليس وراء المحبة مقام. وأما الخوف فمستنده الالتفات إلى الصفات التي تقتضي الغضب، فلا تمازجه المحبة كممازجتها للرجاء. نعم، لما كانت المعاصي والاغترار على الخلق أغلب، (لا) سيما على الموجودين في هذا الزمان، فالأصلح لهم غلبة الخوف، بشرط ألا يخرجهم إلى اليأس وقطع العمل، بل يحثهم على العمل، ويكدر شهواتهم، ويزعج قلوبهم عن الركون إلى دار الغرور، ويدعوهم إلى التجافي عن عالم الزور، إذ مع غلبة المعاصي على الطاعات لا ريب في أصلحية الخوف، (لا) سيما أن الآفات الخفية:
من الشرك الخفي، والنفاق، والرياء، وغير ذلك من خفايا الأخلاق الخبيثة في أكثر الناس موجودة، ومحبة الشهوات والحطام الدنيوي في بواطنهم كامنة، وأهوال سكرات الموت واضطراب الاعتقاد عنده ممكنة، ومناقشات الحساب ورد أعمالهم الصالحة لأسباب خفية محتملة، فمن عرف حقائق هذه الأمور، فإن كان ضعيف القلب جبانا في نفسه غلب خوفه على رجائه، وإن كان قوي القلب ثابت الجأش تام المعرفة استوى خوفه ورجاؤه. وأما أن يغلب رجاؤه فلا، بل غلبته إنما هو من الاغترار وقلة التدبر، كما في غالب الناس، بل الأصلح لهم غلبة الخوف، ولكن قبل الإشراف على الموت، وأما عنده فالأصلح لهم غلبة الرجاء وحسن الظن، لأن الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل، وقد انقضى وقته، وهو لا يطيق هنا أسباب الخوف، لأنها تقطع نياط قلبه وتعين على تعجيل موته. وأما روح الرجاء فيقوي قلبه ويحبب إليه ربه الذي إليه رجاؤه.