فكذا الرجاء متعلق بها ومن فضائلها، لكونه مقتضاهما وباعثا للعمل من حيث الرغبة. إلا أن الخوف لترتبه على ضعف القلب يكون أقرب إلى طرف التفريط، والرجاء لترتبه على قوته يكون أقرب إلى طرف الإفراط وإن كان كلاهما ممدوحين. ثم لا بد أن يحصل أكثر أسباب حصول المحبوب حتى يصدق اسم الرجاء على انتظاره، كتوقع الحصاد ممن ألقى بذرا جيدا في أرض طيبة يصلها الماء. وأما انتظار ما لم يحصل شئ من أسبابه فيسمى غرورا وحماقة، كتوقع من ألقى بذرا في أرض سبخة لا يصلها الماء. وانتظار ما كان أسبابه مشكوكة يسمى تمنيا، كما إذا صلحت الأرض ولا ماء.
وتفصيل ذلك: أن الدنيا مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض، والإيمان كالبذر، والطاعات هي الماء الذي تسقي به الأرض، وتطهير القلب من المعاصي والأخلاق الذميمة بمنزلة تنقية الأرض من الشوك والأحجار والنباتات الخبيثة، ويوم القيامة هو وقت الحصاد. فينبغي أن يقاس رجاء العبد (المغفرة) برجاء صاحب الزرع (التنمية)، وكما أن من ألقى البذر في أرض طيبة، وساق إليها الماء في وقته، ونقاها الشوك والأحجار، وبدل جهده في قلع النباتات الخبيثة المفسدة للزرع، ثم جلس ينتظر كرم الله ولطفه مؤملا أن يحصل له وقت الحصاد مائة قفيز مثلا، سمي انتظاره رجاء ممدوحا فكذلك العبد إذا طهر أرض قلبه عن شوك الأخلاق الردية وبث فيه بذر الإيمان بماء الطاعات، ثم انتظر من فضل الله تثبيته إلى الموت وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا في نفسه. وكما أن من تغافل عن الزراعة واختار الراحة طول السنة، أو ألقى البذر في أرض سبخة مرتفعة لا ينصب إليها ماء ولم يشتغل بتعهد البذر وإصلاح الأرض من النباتات المفسدة للزرع، ثم جلس منتظرا إلى أن ينبت له زرع يحصده سمى انتظاره حمقا وغرورا. كذلك من لم يلق بذر الإيمان في أرض قلبه أو ألقاه مع كونه مشحونا برذائل الأخلاق منهمكا في خسائس الشهوات واللذات، ولم يسق إليها ماء الطاعات، ثم انتظر المغفرة، كان انتظار حمقا وغرورا. وكما أن من بث البذر في أرض طيبة لا ماء لها، وجلس ينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار، وإن لم يمتنع أيضا، سمي انتظاره