تمنيا. كذلك من ألقى بذر الإيمان في أرض قلبه، ولكنه لم يسق إليه ماء الطاعات، وانتظر المغفرة بلطفه وفضله، كان انتظاره تمنيا.
فإذن، اسم (الرجاء) إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره وهو فضل الله تعالى بصرف القواطع والمفسدات. فالأحاديث الواردة في الترغيب على الرجاء وفي سعة عفو الله وجزيل رحمته ووفور مغفرته. إنما هي مخصوصة بمن يرجو الرحمة والغفران بالعمل الخاص المعد لحصولهما وترك الانهماك في المعاصي المفوت لهذا الاستعداد. فاحذر أن يغرك الشيطان ويثبطك عن العمل ويقنعك بمحض الرجاء والأمل. وانظر إلى حال الأنبياء والأولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمر في العبادات ليلا ونهارا، أما كانوا يرجون عفو الله ورحمته؟ بلى والله! إنهم كانوا أعلم بسعة رحمة الله وأرجى لها منك ومن كل أحد، ولكن علموا أن رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحت، فصرفوا في العبادات أعمارهم وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم.
ونحن نشير (أولا) إلى بعض ما ورد في الرجاء من الآيات والأخبار، ثم نورد نبذا مما يدل على أنه لا معنى للرجاء بدون العمل، ليعلم أن إطلاق الأول محمول على الثاني. فنقول: الظواهر الواردة في الرجاء أكثر من أن تحصى، وهي على أقسام:
(الأول) ما ورد في النهي عن القنوط واليأس من رحمة الله كقوله تعالى:
" يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " (130).
وقول علي عليه السلام لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه:
" أيا هذا! يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك ". وما روي: " أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم وتجأرون إلى ربكم. فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: إن ربك يقول: لم تقنط عبادي؟
فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم ". وما ورد: " أن رجلا من بني إسرائيل