النفس والشيطان، فيورث ذلك الانهماك في اتباع الشهوات، حتى يظلم القلب ويسود، وتتراكم ظلمة الذنوب عليه، ولا يزال يطفئ ما فيه من نور الإيمان حتى ينطفئ بالكلية، فإذا جاءت سكرة الموت ازداد حب الله ضعفا، وربما عدم بالمرة، لما يستشعر من فراق محبوبه الغالب على قلبه، وهو الدنيا، فيتألم ويرى ذلك من الله، فيختلج ضميره بإنكار ما قدره الله من الموت، وربما يحدث في باطنه بغض الله بدل الحب، لما يرى أن موته من الله، كما إن من يحب ولده حبا ضعيفا، إذا أخذ ما لا له هو أحب إليه منه وأتلفه، انقلب حبه بعضا. فإن اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي خطر فيها هذه الخطرة فقد ختم له بالسوء. نعود بالله من ذلك.
وقد ظهر أن السبب المفضي إلى ذلك غلبة حب الدنيا مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله، فمن وجد في قلبه حب الله أغلب من حب الدنيا فهو أبعد من هذا الخطر، وإن أحب الدنيا أيضا، ومن وجد في قلبه عكس ذلك فهو قريب من هذا الخطر. والسبب في قلة حب الله قلة المعرفة به، إذ لا يحب الله إلا من عرفه، وإلى هذا القسم من سوء الخاتمة أشير في الكتاب الإلهي بقوله:
" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره " (119).
فمن فارقته روحه في حالة كراهة فعل الله وبغضه له في تفريقه بينه وبين أهله وماله وسائر محابه، فيكون موته قدوما على ما أبغضه وفراقا لما أحبه فيقدم على الله قدوم العبد المبغض الآبق إذا قدم به على مولاه قهرا، ولا يخفى ما يستحق مثله من الخزي والنكال وأما الذي يموت على حب الله والرضا بفعله كان قدومه قدوم العبد المحسن المشتاق إلى مولاه، ولا يخفي ما يلقاه من الفرح والسرور.
(والثالث) كثرة المعاصي وغلبة الشهوات، وإن قوى الإيمان. وبيان ذلك: أن مقارفة المعاصي سببها غلبة الشهوات ورسوخها في القلب بكثرة