فرس قد رآه من قبل مع إنسان فيتذكر ذلك الإنسان. وقد ينتقل الخاطر من شئ إلى شئ، ولا يدري وجه المناسبة له، وربما ينتقل إلى شئ لا يعرف سببه أصلا. وكذلك انتقالات الخواطر بالمنام وعند سكرات الموت لها أسباب لا نعرف بعضها ونعرف بعضها بالنحو المذكور. ومن أراد أن يكف خاطره عن الانتقال إلى المعاصي والشهوات، فلا طريق له إلا المجاهدة طول عمره في فطام نفسه عنها، وفي قمع الشهوات عن قلبه، فهذا هو القدر الذي يدخل تحت الاختيار، ويكون طول المجاهدة والمواظبة على العلم وتخلية السر عن الشواغل الدنيوية وتقييده بالتوجه إلى الله وحبه وأنسه عدة وذخيرة لحالة سكرات الموت، إذ المرء يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، كما ورد في الخبر (120). وقد دلت المشاهدة على أن كل أحد يكون عند موته مشغول القلب بما هو الغالب عليه طول عمره، حيث يظهر منه عنده ذلك، وإنما المخوف الموجب لسوء الخاتمة هو خاطر سوء يخطر، ومنه عظم خوف العارفين، إذ اختلاج الخواطر والاتفاقات المقتضية لكونها مذمومة أو ممدوحة لا يدخل تحت الاختيار دخولا كليا، وإن كان لطول الألف والعادة تأثير ومدخلية، ولذا إذا أراد الإنسان ألا يرى في المنام إلا الأنبياء والأئمة عليهم السلام وأحوال الصالحين والعبادات لم يتيسر له، وإن كانت كثرة الحب والمواظبة على الصلاح والطاعة مؤثرة فيه.
وبالجملة: اضطرابات الخيال لا تدخل بالكلية تحت الضبط، وإن كان الغالب مناسبة ما يظهر في النوم لما غلب في اليقظة. وبذلك يعلم أن أعمال العبد كلها ضائعة إن لم يسلم في النفس الأخير الذي عليه خروج الروح، وإن السلامة مع اضطراب أمواج الخواطر مشكلة، ولذلك قال رسول لله (ص): " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين سنة حتى لا يبقى بينه وبين الجنة إلا فواق ناقة، فيختم له بما سبق به الكتاب " ومعلوم إن فواق الناقة لا يتسع لأعمال توجب الشقاوة، بل هي الخواطر التي تضطرب وتخطر