ومن انهمك في المعاصي، فالخوف له أصلح. ومن ترك ظاهر الإثم وباطنه وخفيه وجليه، فالأصلح له أن يعتدل خوفه ورجاؤه.
والوجه في ذلك، أن كل ما يراد به المقصود، ففضله إنما يظهر بالإضافة إلى مقصوده لا إلى نفسه، فلو فرض تساويهما في البعث على العمل ولم يغلب شئ من المذكورات، فالأصلح اعتدالهما، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض ولده: " يا بني! خف الله خوفا ترى إنك إن أتيته بحسنات أهل الأرض لم يتقبلها منك، وارج الله رجاء كأنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك ". وقال الباقر عليه السلام: " ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، وقد جمع الله سبحانه بينهما في وصف من أثنى عليهم، فقال: يدعون ربهم خوفا وطمعا، وقال: يدعوننا رغبا ورهبا ". وعن الحارث بن المغيرة قال: قلت للصادق (ع): ما كان في وصية لقمان؟ قال: " كان فيها الأعاجيب، وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله عز وجل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك "، ثم قال عليه السلام: " كان أبي عليه السلام يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا ".
وقال عليه السلام: " الخوف رقيب القلب، والرجاء شفيع النفس، ومن كان بالله عارفا كان من الله خائفا وإليه راجيا، وهما جناحا الإيمان، يطير العبد المحلق بهما إلى رضوان الله، وعينا عقله، يبصر بهما إلى وعد الله ووعيده، والخوف طالع عدل الله وناعي وعيده، والرجاء داعي فضل الله، وهو يحيي القلب، والخوف يميت النفس.. ومن عبد الله على ميزان الخوف والرجاء لا يضل، ويصل إلى مأموله، وكيف لا يخاف العبد وهو غير عالم بما تختم صحيفته، ولا له عمل يتوسل به استحقاقا، ولا قدرة له على شئ ولا مفر، وكيف لا يرجو وهو يعرف نفسه بالعجز، وهو غريق في بحر آلاء الله ونعمائه، من حيث لا تحصى ولا تعد، والمحب يعبد ربه على الرجاء بمشاهدة أحواله بعين سهر (149)، والزاهد يعبد على