بالتشكيك، فلا يختلج ببالهم شك وشبهة ولو عند الموت.
وأما الخائضون في غمرات البحث والنظر، والآخذون عقائدهم من عقولهم المزجاة، فليس لهم تثبت على عقائدهم، إذ العقول عن درك صفات الله وسائر العقائد الأصولية على ما هي عليه قاصرة، والأدلة التي يستخرجها مضطربة متعارضة وأبواب الشكوك والشبهات بالخوض والبحث تصير مفتوحة. فأذهانهم دائما محل تعارض العقائد والشكوك، فربما ثبتت لهم عقيدة بملاحظة بعض دلائله، فيحصل لهم فيها طمأنينة، ثم يعرض لهم شك يرفعها أو يضعفها، فهم دائما في غمرات الحيرة والاضطراب. فإذا كان حالهم هذا فأخذتهم سكرات الموت، فأي استبعاد في أن يختلج لهم حينئذ شك في بعض عقائدهم. ومثله مثل من انكسرت سفينته وهو في ملتطم الأمواج يرميه موج إلى موج، والغالب في مثله الهلاك، وإن اتفق نادرا أن يرميه موج إلى الساحل. وقد نقل عن (نصير الدين الحلي) - وهو من أعاظم المتكلمين - أنه قال: " إني تفكرت في العلوم العقلية سبعين سنة، وصنفت فيها من الكتب ما لا يحصى، ولم يظهر لي منها شئ سوى أن لهذا المصنوع صانعا، ومع ذلك عجائز القوم في ذلك أشد يقينا مني ". فالصواب تلقى أصل الإيمان والعقائد من صاحب الوحي، مع تطهير الباطن عن خبائث الأخلاق، والاشتغال بالطاعات وصوالح الأعمال، وعدم التعرض لما هو خارج عن طاقتهم من التفكر في حقائق المعارف، إلا من أيده الله بالقوة القدسية والقريحة المستقيمة، وأشرق نور الحكمة في قلبه. وشمله خفي الألطاف من ربه، فله الخوض في غمرات العلوم. وأما غيره فينبغي أن يأخذ منه أصول عقائده الواردة من الشرع، ويشتغل بخدمته حتى تشمله بركات أنفاسه، فإن العاجز عن المجاهدة في صفه القتال ينبغي أن يسقي القوم ويتعهد دوابهم، ليحشر يوم القيامة في زمرتهم وإن كان فاقدا لدرجتهم.
(الثاني) ضعف الإيمان في الأصل، ومهما ضعف الإيمان ضعف حب الله وقوي حب الدنيا في القلب، واستولى عليه بحيث لا يبقى في القلب موضع لحب الله إلا من حيث حديث النفس، فلا يظهر له أثر في مخالفة