ثم هذا الجحود أو الشك إما يتعلق ببعض العقائد الأصولية، كالتوحيد وعلمه تعالى أو غير ذلك من صفاته الكمالية، أو بضروريات أمر الآخرة والنبوة. وكل واحد من ذلك كاف في الهلاك وزهوق النفس على الزندقة.
أو يتعلق بجميعها إما أصالة أو سراية، والمراد بالسراية أن الرجل ربما اعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف ما هو الحق والواقع، إما برأيه ومعقوبه، أو بالتقليد، فإذا قرب الموت وظهرت سكراته واضطرب القلب بما فيه، ربما انكشف بطلان ما اعتقده جهلا، إذ حال الموت حال كشف الغطاء، ويكون ذلك سببا لبطلان بقية اعتقاداته أو الشك فيها، وإن كانت صحيحة مطابقة للواقع، إذ لم يكن عنده أولا فرق بين هذا الاعتقاد الفاسد الذي انكشف فساده وبين سائر عقائده الصحيحة، فإذا علم خطأه في البعض لم يبق له اليقين والاطمئنان في البواقي. كما نقل أن (الفخر الرازي) بكى يوما، فسألوه عن سبب بكائه، قال: " اعتقدت في مسألة منذ سبعين سنة على نحو انكشف اليوم لي بطلانه، فما أدراني أن لا تكون سائر عقائدي كذلك ".
وبالجملة: إن اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل أن ينيب ويعود إلى أصل الإيمان، فقد ختم له بالسوء وخرجت روحه على الشرك، أعاذنا الله منه، وثبتنا على الاعتقاد الحق لديه، وهم المقصودون من قوله:
" وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " (117). ومن قوله: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " (118).
والبله: أعني الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر إيمانا مجملا راسخا، بمعزل عن هذا الخطر، ولذلك ورد: إن أكثر أهل الجنة البله.
وورد المنع من البحث والنظر والخوض في الكلام، والأخذ بظواهر الشرع مع اعتقاد كونه تعالى منزها عن النقص متصفا بما هو الغاية والنهاية من صفات الكمال. والسر في ذلك: أن البله إذا أخذوا بما ورد من الشرع واعتقدوا به، يثبتون عليه لقصور أذهانهم عن درك الشبهات وعدم اعتيادهم