" لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " (112).
ولا ريب في أن الخوف المجاوز إلى اليأس والقنوط يمنع من العمل، لرفعهما نشاط الخاطر الباعث على الفعل، وإيجابهما كسالة الأعضاء المانعة من العمل. ومثل هذا الخوف محض الفساد والنقصان وعين القصور والخسران، ولا رجحان له في نظر العقل والشرع مطلقا، إذ كل خوف بالحقيقة نقص لكونه منشأ العجز، لأنه متعرض لمحذور لا يمكنه دفعه، وباعث الجهل لعدم اطلاعه على عاقبة أمره، إذ لو علم ذلك لم يكن خائفا لما مر من أن الخوف هو ما كان مشكوكا فيه، فبعض أفراد الخوف إنما يصير كمالا بالإضافة إلى نقص أعظم منه، وباعتبار رفعه المعاصي وإفضائه إلى ما يترتب عليه من الورع والتقوى والمجاهدة والذكر والعبادة وسائر الأسباب الموصلة إلى قرب الله وأنه، ولو لم يؤد إليها كان في نفسه نقصا لا كمالا، إذ الكمال في نفسه هو ما يجوز أن يوصف الله تعالى به، كالعلم والقدرة وأمثالهما، وما لا يجوز وصفه به ليس كمالا في ذاته، وربما صار محمودا بالإضافة إلى غيره وبالنظر إلى بعض فوائده، فما لا يفضي إلى فوائده المقصودة منه لإفراطه فهو مذموم، وربما أوجب الموت أو المرض أو فساد العقل، وهو كالضرب الذي يقتل الصبي أو يهلك الدابة أو يمرضها أو يكسر عضوا من أعضائها. وإنما مدح صاحب الشرع الرجاء وكلف الناس به، ليعالج به صدمة الخوف المفرط المفضي إلى اليأس أو إلى أحد الأمور المذكورة. فالخوف المحمود ما يفضي إلى العمل مع بقاء الحياة وصحة البدن وسلامة العقل، فإن تجاوز إلى إزالة شئ منها فهو مرض يجب علاجه، وكان بعض مشايخ العرفاء يقول للمرتاضين من مريديه الملازمين للجوع أياما كثيرة: " احفظوا عقولكم، فإنه لم يكن الله تعالى ولي ناقص العقل " وما قيل: " إن من مات من خوف الله تعالى مات شهيدا " معناه إن موته بالخوف أفضل من موته في هذا الوقت بدونه، فهو بالنسبة إليه فضيلة، لا بالنظر إلى تقدير بقائه وطول عمره في طاعة الله وتحصيل المعارف، إذ للمترقي في درجات المعارف والطاعات له في كل