أو من نقصان درجاته في العليين وعدم مجاورته المقربين أو من الله سبحانه بأن يخاف جلاله وعظمته والبعد والحجاب منه ويرجو القرب منه، وهذا أعلاها رتبة، وهو خوف أرباب القلوب العارفين من صفاته ما يقتضي الهيبة والخوف، والعالمين بلذة الوصال وألم البعد والفراق، والمطلعين على سر قوله:
" ويحذركم الله نفسه " (93)، وقوله: " اتقوا الله حق تقاته " (94).
وقيل: ذلك خوف العابدين والزاهدين وكافة العاملين.
وأما الذين غلب على قلوبهم خوف المكروه لغيره، فإما يكون خوفهم من الموت قبل التوبة، أو نقضها قبل انقضاء المدة، أو من ضعف القوة عن الوفاء بتمام حقوق الله، أو تخليته مع حسناته التي اتكل عليها وتعزز بها في عباد الله، أو من الميل عن الاستقامة، أو إلى أتباع الشهوات المألوفة استيلاء للعادة، أو تبديل رقة القلب إلى القساوة، أو تبعات الناس عنده من الغش والعداوة، أو من الاشتغال عن الله بغيره، أو حدوث ما يحدث في بقية عمره أو من البطر والاستدراج بتواتر النعم، أو انكشاف غوائل طاعته حتى يبدو له من الله ما لم يعلم، أو من الاغترار بالدنيا وزخارفها الفانية، أو تعجيل العقوبة بالدنيا وافتضاحه بالعلانية، أو من اطلاع الله على سريرته وهو عنه غافل، وتوجهه إلى غيره وهو إليه ناظر، أو من الختم له عند الموت بسوء الخاتمة، أو مما سبق له في الأزل من السابقة. وهذه كلها مخاوف العارفين.
ولكل واحد منها خصوص فائدة، هو الحذر عما يفضي إلى الخوف، فالخائف من تبعات الناس يجتهد في براءة ذمته عنها، ومن استيلاء العادة يواظب على فطام نفسه عنها، ومن اطلاع الله على سريرته يشتغل بتطهير قلبه عن الوساوس. وهكذا في بقية الأقسام.
وأغلب هذه المخاوف على المتقين خوف سوء الخاتمة، وهو الذي قطع قلوب العارفين، إذ الأمر فيه مخطر - كما يأتي - وأعلى الأقسام وأدلها على كمال المعرفة خوف السابقة، لأن الخاتمة فرع السابقة، ويترتب عليها بعد تخلل أسباب كثيرة، ولذا قال العارف الأنصاري: " الناس يخافون