راجيا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو "، وقال عليه السلام: " مما حفظ من خطب النبي (ص) أنه قال: أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب وما بعدها من دار إلا الجنة أو النار ".
ثم الأخبار الواردة في فضل العلم والتقوى والورع والبكاء والرجاء تدل على فضل الخوف، لأن جملة ذلك متعلقة به تعلق السبب أو تعلق المسبب، إذ العلم سبب الخوف، والتقوى والورع يحصلان منه ويترتبان عليه - كما ظهر مما سبق - والبكاء ثمرته ولازمه، والرجاء يلازمه ويصاحبه، إذ كل من رجا محبوبا فلا بد أن يخاف فوته، إذ لو لم يخف فوته لم يحبه فلا ينفك أحدهما عن الآخر، وإن جاز غلبة أحدهما على الآخر، إذ من شرطهما تعلقها بالمشكوك، لأن المعلوم لا يرجى ولا يخاف فالمحبوب المشكوك فيه تقدير وجوده يروح القلب وهو الرجاء، وتقدير عدمه يؤلمه وهو الخوف، والتقديران يتقابلان. نعم، أحد طرفي الشك قد يترجح بحضور بعض الأسباب، ويسمى ذلك ظنا، ومقابله وهما، فإذا ظن وجود المحبوب قوي الرجاء وضعف الخوف بالإضافة إليه، وكذا بالعكس، وعلى كل حال فهما متلازمان، ولذلك قال الله سبحانه:
" ويدعوننا رغبا ورهبا " (109). وقال: " يدعون ربهم خوفا وطمعا " (110).
وقد ظهر أن ما يدل على فضل الخمسة يدل على فضيلته، وكذا ما ورد في ذم الأمن من مكر الله يدل على فضيلته، لأنه ضده، وذم الشئ مدح لضده الذي ينفيه. ومما يدل على فضيلته ما ثبت بالتواتر من كثرة